في محاولة لنزع فتيل الأزمة السياسية الحادة التي يواجهها نظام الحكم بمصر بسبب ثورة الغضب المشتعلة في البلاد منذ يوم 25 يناير/ كانون الثاني حتى الآن، أصدر الرئيس حسني مبارك، قراراً اليوم الثلاثاء 8-2-2011 بتشكيل لجنة قانونية تقوم بإعداد التعديلات المطلوبة على الدستور، على أن تنتهي اللجنة من عملها خلال شهر تقريباً، فيما بدا أن مصر على عتبة أول خطوة قانونية لانتقال السلطة سلمياً.
وبينما لم يحدد القرار عدد المواد المطلوب تعديلها، إلا أن مطالب المتظاهرين والسياسيين والحقوقيين تركز على تعديل المواد 76 و77 و88، الخاصة بنظام انتخاب رئيس الجمهورية، وتحديد فترة الرئاسة بمدتين، والإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، ويذهب بعض السياسيين إلى طلب تعديل المادتين 139 الخاصة بصلاحيات نائب رئيس الجمهورية، و179 التي تتعلق بالمحاكم العسكرية.
وأيد خبراء متخصصون في القانون الدستوري، قرار الرئيس مبارك، واعتبروا أن تحديد عمل اللجنة بمدة شهر، فترة كافية تماما لإجراء التعديلات المطلوبة، بل يرى البعض أنها فترة طويلة جدا، مشيرين في لقاءات متفرقة مع "العربية نت" إلى أن إدخال تلك التعديلات لا يستغرق مع القانونيين المتخصصين، يوما واحدا أو يومين على الأكثر، وإقرارها من البرلمان خلال أقل من شهر.
انقسام بين فقهاء الدستور
في المقابل رفض بعض خبراء القانون الدستوري، قرار الرئيس مبارك برمته مطالبين بوضع دستور جديد للبلاد، معتبرين أن تشكيل لجنة لإجراء التعديلات الدستورية "مجرد محاولة لإضاعة الوقت" وقالوا "إن محاولات ترقيع الدستور لا تصلح".
وتحدث الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة قائلا: إن إجراء التعديلات لا يستغرق عدة ساعات حيث إن المادة 76 والخاصة بنظام انتخاب رئيس الجمهورية لا يستغرق النقاش فيها مدة ساعة، حيث إن المطلوب وضع ضوابط مقبولة للترشح لرئاسة الجمهورية، وليس قيودا يستحيل تنفيذها.
وطالب البنا بالسماح للأحزاب بتزكية مرشحين من خارج قياداتها، وتخفيف شروط ترشيح المستقلين وهذه الأمور جرى النقاش حولها مرات عديدة وقتلت بحثا على مدى السنوات الماضية منذ عام 2005 حتى الآن.
وبالنسبة للمادة 77 الخاصة بمدة الرئاسة، فهي لا تحتاج نقاشا أصلا حيث المطلوب إرجاعها لأصلها، الذي كانت عليه قبل عام 1981، حيث كانت تحدد مدد الرئاسة بفترتين، وجرى تعديلها لتصبح "مددا أخرى"، وهذا لا يستغرق من القانونيين عدة دقائق، أما المادة الثالثة المطلوب تعديلها فهي 88 الخاصة بالإشراف القضائي الكامل على الانتخابات والمطلوب فيها أيضا إرجاعها إلى أصلها والنقاش حولها لا يستغرق ساعة.
إسقاط الدستور
ويعود البنا ليتحدث من زاوية أخرى قائلا: إننا أمام ثورة حقيقية، ويترتب على الثورات إسقاط الدستور، خاصة المواد المتعلقة برئيس الجمهورية، وإذا أراد الرئيس الموجود حاليا أن يترك السلطة أو أن يبقى لإكمال رئاسته بدون صلاحيات فإن تعديل الدستور أو وضع دستور جديد لا يستغرق وقتا طويلا في كل الأحوال، وأضاف معلقا: القانونيون يعرفون ذلك جيدا لأنهم يحفظون كل مواد الدستور ويعرفون الفرق بينها وبين مواد أي دستور آخر، ويعلمون مواطن الخلل الدستوري والقانوني ويعلمون أيضا ما هي التعديلات المطلوبة ولا يستغرق النقاش بينهم حول هذه النقاط عدة جلسات.
وحول المادة 139 من الدستور، يقول البنا: إن هذه المادة تخص صلاحيات نائب رئيس الجمهورية حال توليه منصب الرئاسة خيارا أو جبرا، حيث يجوز له إقالة الحكومة، أو حل مجلس الشعب أو تعديل الدستور، وحال تعديلها سيتم سحب هذه الصلاحيات منه.
ويعلق القانوني البارز الدكتور بهاء الدين أبو شقه، عضو مجلس الشورى عن حزب الوفد قائلاً: إن أحداث 25 يناير وضعتنا أمام خيارين، أولهما اختيار الشرعية الثورية، والثاني هو الشرعية الدستورية التي اختارها المتفاوضون مع اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية، والتي تقتضي بأن نتعامل مع الدستور الحالي مع تعديل بعض مواد على رأسها المادة 76 التي أثير حولها جدل كبير.
ويقترح أبو شقة على اللجنة الدستورية المشكلة حالياً أن تكون هناك مواءمة بين حرية الترشيح لرئاسة الجمهورية مع وضع ضوابط فحق الترشح للرئاسة يقر دستورياً ولكن الضوابط تمنع أن يصل عدد المرشحين للرئاسة إلى 50 ألف مرشح وإزالة جميع الشوائب بالمادة التي وضعت لتحقيق غاية معينة وهي ألا يتحول أمر الترشح إلى فوضى فيظهر لنا مرشحين هدفهم الأساسي هو مجرد الترشح وليس الترشح الجدي.
التعديلات المقترحة
ويأمل الدكتور أبو شقة أن تصل التعديلات المقترحة إلى اجتياز الفترة المحددة للوصول إلى انتقال سلمي للسلطة، إلى حين إصدار دستور جديد يحقق الأمان للشعب ويضمن تكافؤ الفرص، ويعمل على أن يكون الانتخاب بالقائمة النسبية.
وطالب أبو شقه اللجنة المشكلة أن يكون الانتخاب بالرقم القومي للقضاء على الانتخابات المزورة وأن يتم العمل على جمهورية برلمانية بحيث تكون الحكومة مسؤولة أمام مجلس الشعب.
ويرى أن مدة شهر التي حددت للجنة لإجراء التعديلات هي مدة طويلة جداً فكان يكفي بضعة أيام حيث أن ما يجري هو تعديل لمواد معروفة وليس عمل دستور جديد، وأكد أن الاجتماع المبدئي للحوار مع سليمان كان يتحدث عن تعديل المادة 76 و77 الخاصة بالمدة والتي يقترح أبو شقة أن تكون كل مدة لا تزيد عن 4 سنوات فقط أو خمسة بحيث لا تزيد مدة الرئاسة عن 10 سنوات من أجل إعطاء فرصة لأي فكر أو دماء جديدة وأن سليمان كان محدداً في حديثه أن اللجنة سوف تعدل ما قد يتراءى لها لضمان انتقال سلمي للسلطة، وذلك يشمل المادة 88 الخاصة بالإشراف القضائي والمادة 139 أيضاً.
وأشار أبو شقة إلى أنه يجب الاستعانة بمادتين بدستور 1923 الأولى تخص سلطات الملك وأن يتم تطبيقها على رئيس الجمهورية بأن يملك هو الآخر ولا يحكم وكذلك تنص المواد على إعطاء سلطات أكثر لمجلس الشيوخ، وهو ما نطالب به لمجلس الشورى وكذلك هناك دستور لجنة الـ50 والتي شكلت في عهد عبد الناصر من 54 فقيها دستوريا وضعوا دستورا لم يعمل به، لكن هذا الدستور يضم موادا صالحة للعمل حتى الآن.
ورغم أن المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض السابق يرى أن اللجنة المشكلة لإجراء التعديلات الدستورية تضم "أسماء نزيهة"، إلا أنه لا يثق فيما يجري كله واصفا الأمر بأنه "ترقيع للدستور" ومجرد محاولة لإضاعة الوقت وامتصاص غضب الشارع المطالب برحيل الرئيس.
وأضاف أن المواد المتفق على تعديلها مثل المواد 88 و139 و179 الخاصة بالمحاكم العسكرية، والحريات والتي لم يتطرق أحد على تعديلها.
وطالب الخضيري بتكوين لجنة تأسيسية تقوم بوضع دستور جديد، يخلو تماما من عيوب الدستور الحالي، واشترط أن يكون ذلك بعد تحقيق مطلب الجماهير برحيل مبارك.
نص القرار
وفيما يلي نص قرار الرئيس المصري حسني مبارك رقم 54 لسنة 2011 بتشكيل لجنة دراسة واقتراح تعديل بعض الأحكام الدستورية والتشريعية:
رئيس الجمهورية:
-بعد الاطلاع على الدستور، خاصة المادة 189 منه، وعلى البيان الصادر بتاريخ 6 من فبراير سنة 2011 بشأن ما أسفر عنه الحوار، الوطني الذي تم بتكليف من رئيس الجمهورية بين نائبه وممثلين للأحزاب والقوى السياسية وبعض من ممثلي شباب 25 يناير.
- وحرصاً على إجراء مزيد من الإصلاح السياسي والديمقراطي المنشود وتفعيلا لما اتفق عليه أطراف الحوار من الترتيبات السياسية والإجراءات الدستورية والتشريعية.
-... قرار
-(المادة الأولى)
-تشكل لجنة لدراسة واقتراح تعديل بعض الأحكام الدستورية والتشريعية من أعضاء من السلطة القضائية ومن الخبراء والشخصيات السياسية، برئاسة السيد المستشار الدكتور سرى محمود صيام رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى وعضوية السادة الآتية أسماؤهم:
1 - المستشار كمال محمد محمد نافع النائب الأول لرئيس محكمة النقض وعضو مجلس القضاء الأعلى.
-2 - المستشار أحمد محمود مكي النائب الثاني لرئيس محكمة النقض وعضو مجلس القضاء الأعلى.
-3 - المستشار محمد عبد العزيز الشناوي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا.
-4 - المستشار ماهر سامي يوسف نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا.
-5 - المستشار الدكتور محمد أحمد عطية النائب الأول لرئيس مجلس الدولة.
-6 - المستشار كمال زكي عبد الرحمن اللمعي نائب رئيس مجلس الدولة.
-7 - الأستاذ الدكتور أحمد كمال أبو المجد أستاذ القانون الدستوري.
-8 - الأستاذ الدكتور يحيى عبد العزيز الجمل أستاذ القانون الدستوري.
9 - الأستاذ الدكتور إبراهيم درويش أستاذ القانون الدستوري.
-10 - الأستاذ الدكتور محمد حسنين عبد العال أستاذ القانون الدستوري.
ونص القرار على أنه للجنة أن تستعين في القيام بمهامها بمن تراه من الخبراء والمتخصصين.