كلما تحلّ مناسبة وطنية بالجزائر، يكثر الحديث عن صدور عفو رئاسي عن السجناء السياسيين الذين تنطبق عليهم قوانين المصالحة الوطنية، ممن حوكموا أمام المحاكم العسكرية والخاصة ومازالوا يقبعون بالسجون منذ سنة 1991، ولكن شيئا من هذا لم يتحقق، رغم مرور أكثر من 10 سنوات من إقرار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية عبر استفتاء شعبي. حسب رئيس تنسيقية عائلات السجناء السياسيين مصطفى غزال - غير معتمدة تأسست سنة 2011- فإن " المئات من الأشخاص تمّ اعتقالهم سنوات التسعينات، بعد توقيف المسار الانتخابي بسبب توجهاتهم ومواقفهم السياسية"، وأنه "لا مبرر للسلطة بعدما قال الشعب كلمته بالأغلبية المطلقة في الاستفتاء التاريخي سنة 2005 لإقرار تنفيذ قانون السلم والمصالحة الوطنية وأصبح هؤلاء السجناء بقوة القانون لهم الحق الدستوري في إطلاق سراحهم ورجوعهم إلى ذويهم".
ومع بداية فتيل الأزمة بالجزائر سنة 1992 ، يقول غزال " صـادرت السلطة آنذاك اختيار الشعب الجزائري وأوقفت مسار الانتخابات التشريعية وقمعت المسيرات السلمية الداعية "، وأضاف أن "هذه الفترة التي فُتحت فيها السلطة الحاكمة المحتشدات أمام خيرة أبناء الشعب الجزائري من إطارات وأساتذة وأطباء ومهندسين ورمت بهم في الصحاري الحارقة، بسبب توجهاتهم السياسية".
وتابع غزال حديثه لـ CNN بالعربية، أن تنسيقيته سبق لها وأن راسلت كل الجهات المعنية بما فيها رئيس الجمهورية، بغية إطلاق سراحهم، ومراعاة حالتهم النفسية والجسدية التي تزداد سوءا يوما بعد يوم " الكثير من السجناء أصيبوا بأمراض مزمنة والبعض الآخر تقدم في السن وأغلبيتهم تجاوز تواجده بالسجن 20 سنة"، مما يستدعي -حسبه- الإسراع بالإفراج عنهم وطي هذا الملف نهائيا.
وخلال سنوات التحضير لإعداد ميثاق المصالحة الوطنية، ظهرت مبادرة من طرف مجموعة من المحامين ورجال القانون الذين ساهموا في إثراء هذا الميثاق باقتراحات، تشكلت عقبها لجنة لمتابعة تطبيق هذا الميثاق. ويرى رئيس هذه اللجنة المسماة لجنة المساعدة القضائية لتطبيق المصالحة الوطنية مروان عزي أن " قوانين هذا الميثاق تم تطبيقها بنسبة 95 بالمائة"، مضيفا "أن هذه الإجراءات كانت فعالة وناجحة وساهمت في عودة الأمن والسلم للبلاد".
وبخصوص تطبيق تدابير هذا الميثاق على هذه الفئة من المساجين، قال عزي: "هؤلاء المساجين تمت محاكمتهم من طرف العدالة وصدرت في حقهم أحكام قضائية"، موضحا أن " التقرير النهائي الذي سلمناه لرئيس الجمهورية حمل في محتواه طلب إطلاق سراحهم لدواعي إنسانية".
نفس النسبة، أكدها رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان فاروق قسنطيني، وهي هيئة رسمية تابعة لرئاسة الجمهورية " نسبة التطبيق بلغت 95 بالمائة بسبب وجود قضايا لم تحل بعد، أبرزها ملف السجناء السياسيين" مستغربا عن عدم تطبيق تدابير الميثاق على هذه الفئة.
وأكد قسنطيني أن "هذه الفئة لم تطبق عليها قوانين ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بالرغم أن الاستثناءات المنصوص فيه لم تستثنهم"، مكتفيا بالقول أن السبب مجهول لديه !!
وكانت لفاروق قسنطيني تصريحات صحفية، مفادها أن جميع المنازعات السياسية في أي بلد في العالم كثيرا ما تنتهي بعفو شامل، قائلا في هذا الشأن "غير مستبعد أن يتم إقرار هذا الإجراء في الجزائر عما قريب"، مستدركا كلامه "لكن لن يتأتى هذا إلا بمبادرة من رئيس الجمهورية".
وبهدف التحقق من اتهامات التي وجهت لقيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة، والجيش الإسلامي للإنقاذ المنحل، بتخليهم عن طرح ملف زملائهم خلال مفاوضاتهم مع السلطة، اتصلت CNN بالعربية بالقيادي عبد القادر بوخمخم الذي نفى هذه الاتهامات، مبينا في هذا الصدد "لم نتخلف يوما في طلب إطلاق سراح السجناء السياسيين في أي فرصة تُتاح لنا"، معتبرا أن "هذا الملف هو جزء من القضية الكبرى وهي القضية السياسية، التي ما إن حُلّت القضية الكبرى تُحل جميع القضايا المرتبطة بها تلقائيا".
وأضاف بوخمخم "إذا كانت فيه إرادة سياسية حقيقية فلابد أن تشمل جميع جوانب الأزمة"، راجيا من رئيس الجمهورية أن "يختم عهدته وحياته بالإفراج عن هؤلاء السجناء المظلومين -على حد قوله- .
وحول الموضوع نفسه، قال الرجل الثاني في الجيش الإسلامي للإنقاذ المنحل، أحمد بن عائشة: "كل المفاوضات التي نجريها مع السلطة لا تخلو من قضية السجناء السياسيين وهناك لقاءات مستمرة مع الجهات الأمنية والإدارية حول هذا الملف"، مستدركا قوله "الإرادة الشفوية موجودة لكن التطبيق على ارض الواقع غائب".
وأفصح بن عائشة لـ CNN بالعربية عن فحوى اللقاء الأخير مع الوزير الأول عبد المالك سلال قبيل الانتخابات الرئاسية، قائلا " وعدنا سلال في الشروع في إيجاد حل نهائي لهؤلاء السجناء مباشرة بعد الرئاسيات".
ويأمل محدثنا في حل هذا الملف لوجود إرادة من طرف السلطة في طيه، معززا قوله "رسالة رئيس الجمهورية الأخيرة بمناسبة اليوم الوطني للمصالحة الوطنية المصادف لـ 26 سبتمبر، وعدت باستكمال إجراءات المصالحة الوطنية بخطوات جديدة".