لم يكن ظهور د. البرادعي مؤسس الجمعية الوطنية للتغيير في المنيا مجرد مصادفة أو لإظهار التأييد لسعد الكتاتني رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان في مجلس الشعب السابق عقب خسارته للانتخابات أمام مرشح الوطني المهندس محمود خلف الله. ولكن الهدف كان أبعد من ذلك.

إذ يبدو أن البرادعي - خلال جولته الأخيرة بربوع أوروبا وأمريكا والبرازيل - عرف أو تم تعريفه - أنه لابد أن يبدأ جولته الثانية في مصر من مكان شهد أحداثاً طائفية وفي الوقت ذاته تراجع فيه نفوذ الإخوان.. وفهم البرادعي - أو تم إفهامه - أن المنيا هي مقصده ففيها خسر الإخوان معركة كانوا يظنونها مضمونه وكانت أول دليل علي أنهم فقدوا سطوتهم علي الشارع كما انها شهدت أيضاً قبل عامين أزمة دير أبوفانا التي تصادم فيها الأقباط مع المحافظ وحاولوا إظهار بطشهم أمام القانون. لكن الدولة لم يرهبها تهديد أو اعتكاف أو غير ذلك.

هدف البرادعي الذي يدرسه حالياً هو إبرام تحالف بين الإخوان والأقباط وضمهما إلي شعاره الذي رفعه من قبل "معاً سنغير".. ورغم أن الإخوان والأقباط خصمان لدودان. إلا أن البرادعي يسعي إلي إقناعهما بأن يتحالفا معه لإحداث الفوضي التي يريدها وتحريك المصريين في ثورة أشبه بثورة المعارضة الإيرانية العام الماضي عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في طهران.

المهم أن السفير السيد قاسم المتعاطف بشدة مع الإخوان المسلمين والذي انعقد لقاء الإخوان والأقباط والبرادعي في منزله بحضور الكتاتني وبعض الأساقفة "اسطفانوس وحكيم ومحروس" حاول أن يجعل هذا الاجتماع بمثابة بيعة للبرادعي يتعاهد فيه الجميع علي الوقوف خلفه في دعواه للتغيير.

الإخوان وافقوا وقالوا إنهم سيسخرون كل خبراتهم التنظيمية في المحافظات لحشد التأييد له. وأعرب بعضهم عن أن البرلمان الموازي سيكون أداة لإيصال أصواتهم للعالم. خاصة وأنه سيضم معظم نواب الجماعة المحظورة الراسبين في الانتخابات الأخيرة. بالإضافة إلي نجوم الفضائيات زهران ولكح وبكري وعلاء عبدالمنعم وسعد عبود وغيرهم. بل إن المفاجأة هي ما أسفرت عنه الأنباء مؤخراً عن انضمام أبو حجي وقوطة وغيرهما من نواب الوطني السابقين إلي البرلمان الموازي الذي يؤكد الإخوان أنهم سيعرفون كيف يستغلونه جيدا كقناة اتصال مع منظمات حقوق الإنسان العالمية وجماعات الضغط بأمريكا وأوروبا. كما أشاروا إلي تدخل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في دعم هذا البرلمان غير الشرعي.

إذن الإخوان لن يقنعوا من الغنيمة بالإياب بعد هزيمتهم في مجلس الشعب.. لن يعودوا إلي التنظيم السري والعمليات العسكرية كما قالت بعض الأقلام وإن كان ذلك ليس مستبعداً ولكنهم سيتفرغون للعمل الخارجي والاتصال بالسفارات وترتيب اللقاءات. كما سيتم انشاء وحدة جديدة للإعلام الخارجي في الجماعة تتواصل مع الصحفيين بأوروبا وأمريكا وإنشاء موقع جديد لهم باللغة الانجليزية يتم فيه وضع صور ولقاءات وتصريحات أعضاء البرلمان الموازي وإيميلاتهم وغير ذلك.

الإخوان وقفوا خلف البرادعي ليس تأييدا له ولا إيمانا بمطالبه ولكن لانه سيسهل لهم كثيرا التواصل مع الغرب.

غير أن انضمام الاقباط إلي تحالف البرادعي لايعني أنهم يريدون تغيير الرئاسة في مصر ولكنهم يريدون اشياء أخري تحدثوا فيها مع البرادعي في منزل السفير المصري السابق ووعدهم بضمها إلي مطالبه بعد احتفالات اعياد الميلاد القادمة في يناير التي ينادي البرادعي وعدد من المتشددين بتأجيلها أو الغائها احتجاجا علي أوضاع المسيحيين في مصر!.

الاساقفة الحاضرون والحق يقال اعترضوا علي تغيير الرئاسة ولكنهم طالبوا البرادعي بمعاملة "لائقة" للاقباط والحصول علي حقوق المواطنة كاملة واختيار ما لايقل عن عشرة وزراء مسيحيين في الحكومة ومساواة عدد الكنائس بالمساجد في مصر بعد تطبيق قانون العبادة الموحد.. وقال البرادعي ان مطالبهم عادلة وسيضمها الي مطالبه السبعة الشهيرة في مشروعه الجديد للدولة المدنية!!

ولا أعرف هل يتكلم البرادعي مع أناس أصابهم الصمم! كيف سيجتمع الذين يطالبون بدولة دينية تطبق الشريعة ويعلو فيها الدين وتحكم من خلال مجلس أعلي يرأسه المرشد العام مع المسيحيين. وكيف لهذه الدولة أن تقبل بالاقباط؟

* ثم هل الدولة القائمة حاليا دولة غير مدنية حتي يطالب البرادعي بمدنية نظام الحكم.

وإذا كان الاساقفة المسيحيون قد طالبوا البرادعي بحقوق مواطنة كاملة لهم ووافقهم هو علي ذلك. فاين هي الحقوق التي لم يحصلوا عليها!. ثم ألم تنص التعديلات الدستورية علي ضمان حقوق المواطنة كاملة؟!. لقد حصل الأقباط في عهد الرئيس مبارك علي ما لم يحصلوا عليه قط في أي وقت سابق من أول البابا حتي أصغر مصري قبطي..

وإذا كان ذلك كله لا يعجب إخوتي الأقباط. فكيف سيكون حالهم في دولة دينية تجعلهم يدفعون الجزية ويحتلون مرتبة ثانية أو ثالثة في المجتمع؟!

علي أية حال إن المؤامرة التي دبرت بليل في المنيا القصد منها هو حشد الإخوان غير الشرعيين والأقباط الذين يعتقدون أنهم مظلومون في حلف غريب هو "البرادعيون" أو "برادعيكو" لإشاعة الفوضي والقلاقل في مصر.. كما سيسعي في الفترة القادمة كما علمت إلي تلقي رسائل من السجون المصرية وإرسالها إلي الاتحاد الأوروبي لبحث أحوال المساجين ومحاولة التشكيك في العدالة والقضاء المصري الأمر الذي سيساعد علي إشاعة فوضي كبري. خاصة أنه يحاول تشكيك المصريين في كل شيء. وأهم ما يحرضهم عليه الثورة ضد القانون والدستور.. البرادعي يريد دولة بمقاييس أمريكية مثل أوكرانيا وجورجيا وهما عاجزتان عن تشكيل حكومة تستمر أكثر من عام حتي الآن. فهل يرضي المصريون بذلك؟! لا أعتقد.