بات الحديث عن القصور التي تعاني منها منظومة الصحة في مصر، أمرًا مكررًا ومملًا ولكنه دون جدوى، ففي ظل حديث وزير الصحة وتأكيده على تغيير وتعديل وتطوير هذه المنظومة إلا أنه ظل مجرد حديث، ولم يتغير من الأمر شيء فالإهمال لا يزال سيد الموقف ويشهده القاصي قبل الداني.
وفى واقعة غريبة من نوعها وتختلف عن سابقتها يمكن أن يُطلق عليها "فضيحة" بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر" فيديو مدته حوالي ثلاث دقائق وتظهر فيه سيدة في حالة وضع ملقاة على الأسفلت بالشارع بعد أن رفضت مستشفى كفر الدوار العام استقبالها، ومن حولها مجموعة من السيدات التي يصرخون ويبكون بطريقة هستيرية خوفا عليها هي وجنينها وكذلك من هول الموقف وصعوبته.

الأمر لم يقف في هذه الحالة على عدم توافر الأجهزة والأدوية داخل المستشفيات بل وصل إلى رفض استقبال سيدة لا تعانى من مجرد ألم في المعدة أو برد عابر، بل إنها تصارع الآم الوضع والولادة، لتتم بالفعل عملية الولادة ولكن خارج أسوار المستشفى دون أي أجهزة أو أدوات معقمة بالشارع.

ونحن في القرن الـ 21 نشاهد عملية ولادة أقل ما يقال عنها "بدائية"، السيدة ملقاة على الأرض ومغطاة بـ"بطانية" وتحاول النسوة من حولها استخراج المولود والحفاظ على حياة كل منهما، لاعنين هذه المستشفى وخدماته السيئة التي اعتادوها.

وقام الزوج بتصوير هذا الفيديو وعملية الولادة وأصر على ذلك لتوثيق هذا المشهد للتقدم بشكوى ضد المستشفى ومديرها، مؤكدا كذلك أنه من حق الناس معرفة ما تعرضت له زوجته من إهمال والذي كان من الممكن أن يؤدى إلى وفاة كل من الأم والجنين.

ولكنهم استطاعوا بالفعل إتمام عملية الولادة الطبيعية بمساعدة بعض الممرضات التي خرجن من المستشفى لتقديم العون لهم، ويعلو صوت الزوج بحرقة يطالب كل من شاهد هذه "الفضيحة" ويناديهم بأن يشهدوا معه في النيابة "يا حاج تيجى تشهد معايا، تيجي تشهدى معايا بكرا"، وهو يردد " بصوا يا حقوق الإنسان.. شوفوا ي حقوق الإنسان".

كانت الجمعية المصرية للدفاع عن ضحايا الإهمال الطبي، رصدت في وقت سابق أن هناك أكثر من 900قضية إهمال طبي ضد الأطباء وكذلك حوالي 1200 شكوى تتلقاها وزارة الصحة ضد الأطباء، ويذكر أن الأطباء في مصر يرتكبون تقريبا 2100 خطأ قاتل سنويا.

ولكن ما الجديد، فهذه فالأخطاء الطبية الناتجة عن الإهمال صارت بمثابة الظاهرة التي تسطر نهاية حياة آلاف المرضى، قد تختلف الأسباب في كل مرة ولكن النهاية واحدة مزيد الضحايا واستمرار لانتهاك حقوق المريض والاستهانة بحياته، وفى كل حادثة يتم إثارة ضجة إعلامية وبعد تهدأ الأمور وكأن شيئًا لم يكن، وهو ما لا نريده في هذه المرة، فالمنظومة الصحية في مصر في حاجة إلى وقفة حقيقية تخلصها من سلبياتها وتطويرها وضمان سلامة المرضى ومعاملتهم بصورة آدمية.