بعد ما يقرب من 3 سنوات ونصف مرت منذ اندلاع ثورة يناير التى كان لها الفضل الأساسى فى تغيير البوصلة والخريطة السياسية فى مصر لعدة مرات، كما كان لها الفضل فيما سمى بمحاكمة القرن التى رأينا فيها لأول مرة الرئيس ورجاله من الوزراء ورجال الأعمال فى محاكمة على ما ارتكبوه من فساد بعد توجيه مجموعة من التهم لهم، بداية من الفساد المالى والمخالفات التى ارتكبوها حتى قتل المتظاهرين.

إلا أننا منذ أيام قليلة وعقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة وبعد إعادة بث محاكمات رجال النظام السابق، فوجئنا بعدد من إخلاءات السبيل لبعضهم وبراءتهم من بعض القضايا المنسوبة إليهم، كما أتت لهم الفرصة السانحة للدفاع عن أنفسهم لينكروا فيها كل ما وجه لهم من اتهامات ويعلنوا أمام الرأى العام بأنهم ليسوا بفاسدين ولا بقاتلين فى حلقات شاهدها الشعب المصرى فى جلسات ترافع بها العادلى ومساعدوه والرئيس المخلوع “حسنى مبارك”.

كما جاءت شهادة الشهود لتختصر كل هذا بعدة جمل منها ما أكده اللواء مرتضى إبراهيم، مساعد أول وزير الداخلية الأسبق للشئون الفنية، أن قرار قطع الاتصالات كانت له سلبيات على أحداث 25 يناير، وأن الشرطة أصيبت بانهيار بعد قطع الاتصالات وعدم شحن بطاريات أجهزة اللاسلكى، وأن طريقة التعامل مع المتظاهرين فى حالة قيام المتظاهرين بأعمال شغب كانت المواجهة بالمياه وكل سيارة فيها عسكرى لحراستها، وأن البندقية الخرطوش يركب عليها جهاز إطلاق الغاز، وتكون تحت إشراف ضابط من العقلاء، وأن التصرف كان حكيمًا وليس به دم، إضافة إلى عدم نزول السلاح الآلى للشارع نهائيًّا!

كما أكد اللواء خالد عبد الوهاب ثروت، مساعد وزير الداخلية، رئيس قطاع الأمن الوطنى، أن المعلومات التى وصلتهم هي أن بعض عناصر البلطجية سرقوا سيارات السفارة الأمريكية ودهسوا المواطنين وهربوا؛ وذلك لزيادة حالة الاحتقان بين المتظاهرين والشرطة، مؤكدًا أن الصورة أصبحت واضحة، وأن هناك عناصر من حركة حماس وحزب الله هى التى قامت باقتحام السجون.

بل وأكد اللواء حمدى بدين قائد الشرطة العسكرية فى عهد المجلس العسكرى السابق أنه  لم يشاهد أى أحد من الداخلية يحمل سلاحًا ضد المتظاهرين، وفى الميادين لم يشاهد أحدًا يطلق أعيرة نارية فى مواجهة المتظاهرين، “وأقسمت بالله أني لم أشاهد ذلك فى الميدان وفى وسط الأحداث”، كما أكد أن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى لم يعطِ أوامر بالانسحاب، وأن مبارك تنحى طواعية؛ استجابة لرغبة المتظاهرين وحقناً للدماء.

وعن هذه الشهادات علق محمود عزت عضو المكتب السياسى للاشتراكيين الثوريين قائلاً “إن هذه الشهادات التى سربت فى هذا التوقيت فى عز انتصار الثورة المضادة تؤكد أن هناك نية حقيقة واتجاهًا واضحًا لغسل سمعة النظام السابق وتبرئة كل من ارتكب فسادًا أو شارك فى قتل المتظاهرين”.

وأضاف “أما بالنسبة للكلام حول عدم حمل الداخلية للأسلحة فعليهم العودة إلى أضعف الإيمان “يوتيوب”، فهناك الكثير من الفيديوهات التى وثقت مشاهد الدم خلال الثورة وبالأخص يوم جمعة الغضب، ولكن من الواضح أن هناك اتجاهًا يصر على تحويل ثورة يناير إلى مؤامرة وتشويه كل من قام بها؛ للسيطرة على مفاصل الدولة مرة أخرى”.

وقال معاذ سيد عضو مكتب سياسى بحركة “مقاومة” الطلابية إن الكلام حول أن مبارك تنحَّى بإرادته هزل، والدليل على ذلك أنه طوال 18 يوماً ظل يماطل فى تقديم تنحيه رغم كل ما حدث فى الميدان على مدار هذه الأيام من موقعة جمل ودماء سالت فى جمعة الغضب وخطابه الشهير العاطفى الذى حاول فيه استعطاف الناس لاستكمال مدته وصرف المتظاهرين من الميادين. كل هذا يؤكد أن تواجد الناس فى الميادين هو ما أجبر مبارك على التنحى.

وأضاف “أما بالنسبة للشهادات حول عدم إطلاق النار على المتظاهرين فالحقيقة موجودة فى كل عين فقدت بخرطوش فى الثورة. الحقيقة موجودة فى كل مصاب. الحقيقة موجودة فى شهيد مات برصاصة غدر من الداخلية، كما أن كوبرى قصر النيل يشهد على حمل الداخلية للسلاح بأنواعه، وكل محافظة فى مصر وخصوصاً السويس وميدان الأربعين تشهد على حمل السلاح من رجال الداخلية. ولفت إلى أن “الكلام حول أن المتسبب فى ضرب المتظاهرين كان من خارج البلاد لإشاعة الفوضى بصراحة هو عذر أقبح من ذنب”.

ومن جانبه أكد مينا ثابت الباحث السياسى وعضو التحالف المصرى للأقليات أن “فكرة محاكمة مبارك على قضية تم التلاعب بأوراقها منذ أولى اللحظات، وتم إعطاء براءات بالجملة فيها لقتلة الشباب من ضباط الشرطة فى أعقاب ثورة يناير، هى مسرحية سخيفة يراد بها تحسين وجه النظام الفاسد على حساب الحق وتحقيق العدالة، وأعتقد أنه لا بد أيضًا من محاكمة مبارك على إفساد الحياة السياسية والحالة المتدهورة اقتصاديًّا واجتماعيًّا التى ساهم فى الوصول إليها”.

وأضاف أن “التجريف الفكرى والسياسى هو الذى يضعنا الآن أمام أزمة حقيقية، وفى النهاية الجميع يعلم أن الشرطة قتلت المتظاهرين، الجميع يعلم أن العادلى ارتكب العديد من جرائم التعذيب طوال فترة توليه الوزارة، والجميع يعلم مسئولية مبارك عن كل هذا”.