ذهبت إلي الدكتور محمد البرادعي
وأنا أبحث عن درجة تفاؤله
وقوة تصميمه
وقدرة تحمله
كنت أقيس درجة تفاؤله لأنني أعرف أن الواقع في مصر مصاص للتفاؤل
طواويس الحكم تقدر علي إصابتك بالإحباط وتبطش بأي أمل وتقهرك بالتشاؤم
الجلود -عندهم - سميكة والعقول مغلقة والقلوب مقفلة والمشاعر معتمة ... والسيوف مشرعة
وجماعات المعارضة تعطب سريعا وتتعطل كثيرا وتيأس قبل أن تأمل وتذبل فور أن تنبت وتتفتت بمجرد أن تتجمع
وكنت أحسب قوة تصميمه
لأن الرجل بدا متعففا ومترفعا عن أن يسعي لمقعد الرئاسة ولا يجده إغراءً يجذبه ولا غواية تناديه فهو يتحدث بلغة الداعية وأداء المدرس الذي يفيض في الشرح بدون اهتمام بأنهم نصبوا خيم الامتحان بينما يواصل هو الشرح
فاعتقدت أن قوة تصميمه تتسرب وتخفت وأن اشتباكات الساحة السياسية وجمود وركود القيادة السياسية سوف يسحب حماسه فينسحب تصميمه
وكنت أريد أن أزن قدرة تحمله
فالهجوم ثم التهجم من الحكومة ومحسوبيها ومحاسبيها
والنقد ثم التهكم من شخصيات معارضة ومتعارضة
مع الاتهامات المبثوثة -كعادتنا-
والتوجسات المتناثرة -كطبيعتنا-
قد تدفع الرجل إن فتر حماسه وتفكك تصميمه إلي أن يفقد تحمله
لهذا ذهبت للدكتور محمد البرادعي
> قمت بعدة جولات كان آخرها في الفيوم وكان في انتظارك الآلاف وحين التفوا حولك شبهت نفسك بـ«مارتن لوثر كينج»، فهل تعتقد أن الفيوم والفيوميين علي دراية بـ«مارتن لوثر كينج»؟
- لم أقل ذلك بالضبط، فقد تمت إساءة نقل ما قلته كما تتم دائماً إساءة تفسير كثير من الأشياء التي أقولها، أنا قلت إن هناك أشخاصاً يقومون بالتغيير وليس بالضرورة أن يكونوا رؤساء للدول، واستشهدت بمارتن لوثر كينج وغاندي، صحيح أن أهالي الفيوم لا يعرفون هذه الشخصيات ولكن جزءاً من عملنا أن نقوم برفع مستوي الشعب المصري وألا نهبط بمستواه مثلما تقول ذلك دائماً.
> اختيار قاموس بأسماء غربية له دلالة قوية في العالم العربي لكن المصريين لا يعرفون سيرة ومسيرة مارتن لوثر كينج.. فلم لم تحاول الاستشهاد بشخصيات تاريخية مصرية كانت أم عربية؟
- لأنه للأسف ليست لدينا مسيرة كمسيرة هؤلاء الأشخاص في العالم العربي، ولو كان هناك كهؤلاء في العالم العربي لما تأخرت لحظة في الاستشهاد بهم، وذكر هؤلاء ليس إلا للدلالة علي الديمقراطية كما أذكر دائماً مثال السيدة الأمريكية روزا بارت وهي السيدة التي لم تستطع ركوب الأتوبيس نظراً للتفرقة العنصرية التي تمنع السود من الركوب في مقدمة الأتوبيس وأخذتها العزة والشهامة والكرامة ـ التي نحتاجها حالياً في مصر ـ أن تقيم دعوي في المحكمة الدستورية العليا واشتكت من التفرقة العنصرية الواقعة وعدم المواطنة، لنجد اليوم وبعد خمسين عاماً رئيساً أسود للولايات المتحدة الأمريكية اسمه باراك حسين أوباما، وهذا هو الدليل الأبلغ علي أن الشعب لن ينصلح حاله إلا من خلال مساواة حقيقية بين جميع فئات وطوائف الشعب، فلن ينال الشعب حريته إلا من خلال نظام ديمقراطي.
> صحيح أن هذا النظام الديمقراطي هو من صَنَع هذه التفرقة العنصرية، ولقد سقطت هذه التفرقة العنصرية بنفس تلك الأدوات الديمقراطية، فهل تعتقد أن نظام مصر نظام ديمقراطي يمكن تغييره بالديمقراطية ؟
- أنا لا أعتقد أنه نظام ديمقراطي علي الإطلاق في الوقت الحالي .
> معني ذلك أنك تري أن النظام لا يمارس ولا يعرف الديمقراطية ؟
- هذا يتوقف علي تعريفنا للنظام، النظام معناه مؤسسات قوية قادرة، وحتي هذا فإنه غير موجود في مصر، لأن جميع السلطات غائبة، فالسلطة التشريعية علي سبيل المثال التي من المفترض أن تقوم بتحقيق التوافق بينها وبين السلطة التنفيذية سلطاتها تقريباً عاجزة، كذلك فإن السلطة التنفيذية في مصر للأسف لها نفوذ وسلطات مطلقة غير موجودة في أي مكان في العالم كله ، وليس ذلك فقط بل إن السلطة القضائية كذلك غير مستقلة.
> في رأيك إذن.. ألا توجد أي تجربة ديمقراطية في مصر؟
- نعم لا توجد أي تجربة .
> إذا كان لايوجد أي تجربة ديمقراطية حقيقية في مصر، فكيف سنغير النظام أو بمعني آخر كيف تقترح فكرة التغيير الديمقراطي رغم أن وسائل ذلك في مصر تكاد تكون معدومة؟
- هذه المسألة من أصعب المسائل، فنحن نعيش 58 عاماً منذ عام 52 لا يمكن الاعتداد بأي عهد من عهود هذه الفترة كتجربة ديمقراطية، فكل هذه العهود يمكن اعتبارها مرجعاً لغياب الديمقراطية، وذلك بصرف النظر عن تقييم أي مرحلة، فلن أقوم بتقييم أي رئيس ولن أقيِّم عبد الناصر أو السادات أو مبارك .
> ألا تريد تقييمهم حتي لا تدخل في اختلاف حول تقدير كل شخص ومع محبي كل شخص ؟
- لا أريد، لأن التقييم عملية معقدة وصعبة وطويلة، ونحن كشعب مصري دائماً نختار إما الأبيض أو الأسود، فلا توجد لدينا حسنات وإيجابيات وسيئات وأنا لا أريد أن أخرج عن طريق لأدخل في حارة كما قيل عليَّ عند اجتماعي مع اليسار، أريد أن أسير في الطريق الصحيح .
> من الأشياء المثارة الآن حولك أنك تترفع عن المناقشات من هذا النوع لرغبتك في توحيد وتجميع جميع الأطياف والأطراف حول فكرتك ولكي تكون العمود الفقري لهم جميعاً بينما لو قمت باتخاذ قرار بالإفصاح عن رأيك أكثر وتحدثت أكثر لكان الأمر أكثر وضوحاً وأكثر قوة و صلابة ؟
- هذا صحيح، إنما لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وأنا لست المسيح المخلِّص، وإنما لابد من أن تكون لي رؤيتي .
> المسيح صلب أو رفع.. فماذا جري لك؟
- أنا أتعرض للصلب كل يوم في الجرائد والمجلات، وما أريده هو أمر حقيقي لا يقبل النقاش، وهو أنه بدون ديمقراطية لن نصل إلا لطريق مسدود، وفي البداية لابد أن أشرح للشعب المصري أولاً معني الديمقراطية، فالديمقراطية تعني شفافية، محاسبة، مسئولية، أن يتداول الشعب السلطة، وفي النهاية يحدث التقدم.
> تريد أن تعرّف الديمقراطية للشعب المصري وكأنه لا يعرفها، فهل تري أن المشكلة تتمثل في أن الشعب المصري لا يعرف الديمقراطية أم أن المشكلة في أنه لا يمارسها ؟
- كلاهما.
> هل الشعب المصري لا يعرف معني الديمقراطية رغم كل الجهد السابق الذي بذله دعاة التغيير والديمقراطية والنضال السياسي والمعتقلون داخل السجون والمعتقلات سعياً للحرية والديمقراطية ؟
- أقدر كل الحركات، لكنها جميعاً انتهت إلي ما نحن فيه اليوم ، ما زلنا في نظام سلطوي غير ديمقراطي، لا أنكر أن هناك نخبة لكنني في الحقيقة أعتقد أن أكثر من يعرف معني الديمقراطية هم العمال، فقد كانت اجتماعات العمال من أفضل الاجتماعات التي عقدتها مع جميع الأطياف من اليسار إلي الإخوان المسلمين، أنا لا أنتقد الشعب ككل، فما أقوله جاء علي لسان الشباب أنفسهم، فهناك شباب كثيرون يقولون لي صراحة إنهم ولدوا وعاشوا وكبروا وتزوجوا ولم يمارسوا الديمقراطية بل لا يعرفونها، وهذا ليس عيباً فيهم أو انتقاصاً منهم، فإذا لم يمارس هؤلاء الشباب الديمقراطية فكيف سيعرفونها، وهذه إحدي مشاكلنا اليوم، كيف سنعرفهم معني ومفهوم الديمقراطية وأنها مرتبطة بلقمة عيشهم ، للأسف هناك تداخل بين لقمة العيش والديمقراطية وقد وصل هذا التداخل إلي أصعب مراحله، وتغييره ليس سهلا، فالآن لابد أن أسير وفقاً لعدة خطوات، الخطوة الأولي وهي ما أنا سعيد بها، أن الشعب المصري من الماركسيين إلي الإخوان المسلمين يخططون ويقولون ما يريدونه وأصبحت هناك رغبة في أن يسيروا من محطة لأخري من الاستبداد إلي الديمقراطية، وبعد ذلك كل شخص منهم سيأخذ الميكروباص الذي سيوصله إلي طريقه المستقل. عندما نبني ديمقراطية في ذلك الوقت سيمتلك كل شخص سيارة خاصة به، وهذا هو ما أقوم بالتركيز عليه اليوم لأنه إذا دخلنا في مسائل علاقة الدين بالدولة، ومشاكل القطاع العام، والقطاع الخاص، وشكل الصحافة، والدعم، وغيرها من المشاكل فسنحول أنفسنا إلي شراذم، أكثر من كون المجتمع المصري متشرذماً في الأساس، أنا لا أعتقد كمصري أن هناك حقيقة مجتمعاً مصرياً، فأي مجتمع له قيم أساسية لا يحيد عنها، وإذا تحدثنا عن أي دولة ديمقراطية علي سبيل المثال، سنجد بها اليمين واليسار والشمال والجنوب، حيث هناك اتفاق علي مجموعة من القيم التي ينتصر لها في نهاية المطاف الصندوق الانتخابي، والذي إن تحقق بالشكل المراد فسيضمن في نهاية المطاف حرية الإنسان، وسيكون هناك في النهاية حد أدني من العدالة الاجتماعية، فاليوم عندما ننظر إلي المجتمع المصري نري أنه أصبح قبائل صغيرة وأصبح مفهوم الإنسان المصري للمجتمع هو عائلته وأولاده، وإذا حقق ما يريده له ولأولاده من امتلاك سيارة مرسيدس وفيللا في الساحل الشمالي مثلا فيكون سعيداً بذلك ولن يريد حينها سوي ما حققه وسيحتمي بالنظام من باقي أفراد الشعب، وهو لا يدرك ولا يمتلك رؤية أن ذلك وضع مؤقت لن يستمر، فلا يمكن أن يكون هناك اليوم 8 أغنياء مصريين علي قائمة أغني أغنياء العالم التي تتضمن خمسمائة شخص، وليس هناك ثري واحد إسباني في هذه القائمة، وباقي الشعب المصري قريب من خط الفقر، بينما 42% تحت هذا الخط، فالفقير في مصر يبلغ دخله في العام 1800 جنيه، والفقير المدقع يحصل علي 1000 جنيه في السنة، وهو ما لايمكن بأي عقل أو غير عقل استمراره.
> ما ذكرته يبدو وكأنه تشخيص للواقع المصري مشارك فيه الكثيرون ولابد من حلول، فما الجديد الذي يقترحه البرادعي إذا لم يكن هو نفسه القائم بالتغيير.. قدمت نفسك باعتبارك طبيب تغيير داعية للتغيير، والناس في مصر قد وصلوا من خلال المؤتمرات والندوات والنضالات السلمية والاعتصامات ومقالات النخبة في الصحافة إلي ما وصل إليه البرادعي وسبقوه في إعلان ذلك، فما الجديد الذي يطرحه الدكتور البرادعي إذا لم يكن هو نفسه الجديد؟
- هذا صحيح وأسمع من الكثير يومياً أنني لم أحضر بجديد، وأنا بالطبع أتفق مع ذلك فأنا لم أحضر بجديد، ما أقوله من الأمور البدهية المعروفة في كل بلد ديمقراطي، لعلي ما أتيت بجديد ولكن الجديد هو أن هذا الشعب توسم فيَّ المصداقية، وأنني لست جزءاً من هذا النظام، أنا أثبت نفسي كشخص له بعض القدرات في أن يسهم في عملية التغيير، وبالتالي الخطوة القادمة هي أنه لابد أن أشخص لكي أعالج، والعلاج هو ما سأقدمه حول شكل التغيير ومستقبل التغيير، وبهذا ننتهي إلي حقيقة مفادها أنني أنا والشعب في حفرة ولابد من الصعود منها سوياً، وبعد ذلك يطرح كل شخص رؤيته حول طريقته في الاستكمال. أدعو إلي التغيير في هذه المرحلة لكن ليس هناك ما يمنع من أن أقود التغيير، نحن نتحدث عن السلبيات في الوقت الحالي، والفرق بين الواقع والخيال، فنقول عن الانتخابات إنها ديمقراطية وهي غير ديمقراطية، التعليم نقول عنه مجانياً وهو ليس مجانياً، وعندنا الكثير من التشوهات، فنقول إن هناك 50% عمالاً وفلاحين في مجلس الشعب وهو تمثيل غير حقيقي للعمال والفلاحين.. لابد أن نعترف بأخطائنا ويجب ألا نكرر الأخطاء، ونفضي بكلام غير مفيد، ولابد ألا نظل نردد أننا نحن خير أمة أخرجت للناس، وليس في الإمكان أفضل مما كان، ولدينا خصوصيتنا العظيمة التي تخالف كل العالم، نعم كل هذه الغيبيات كانت حقيقية، فقد كنا خير أمة أخرجت للناس ولكننا في اليوم الحالي في موقف من أسوأ ما يكون، أصبحنا أعداء أنفسنا، لا تنسي أننا منذ حوالي 58 عاماً ونحن نعيش في ذلك وننتقل من سيئ إلي أسوأ، ولا بد بعد ذلك من مرحلة البناء، وما أفعله اليوم يقود إلي تعاطف الشعب المصري مع فكرة التغيير .
> هذا التعاطف موجود ووارد وحدث.. كانت هناك مظاهرات في الشارع المصري وجماعات تغيير تنادي وتهتف بـ«لا للتمديد ولا للتوريث»، وأشخاص يدخلون السجن والمعتقلات وإصلاحيون يحدثون الكثير، فقد كانت هناك مظاهرات من 2005 إلي 2010 والظهور المشرق للدكتور البرادعي ظهر بمنطق أن الناس وجدت أخيراً من يجسد هذا التغيير، ما نسمعه منك أنك تريد أن تشترك في الدعوة وليس أن تقود إلي القفزة في المرحلة التالية.
- غير صحيح.
> ما هو غير الصحيح بالضبط؟
- إنني أقوم بالاشتراك فقط في الدعوة، ولا أود أن أتحدث عما أفعله، أنا أعمل بأسلوب علمي، ولهذا أقدر كل الحركات التي حدثت في مصر، وكل ما حدث من اعتقالات .
> أكنت تتابع ذلك ؟
- نعم كنت أتابعه من خلال سفري وكل مكان أنزل فيه أسأل نفسي أول سؤال: لماذا نحن في مصر علي ما نحن فيه والعالم يسير في طريقه للتقدم والحضارة والديمقراطية من أفريقيا السوداء إلي شرق أوروبا وغرب أوروبا وأمريكا اللاتينية؟!، ودائماً كنت أسافر وفي قلبي غصة، وما أفعله اليوم هو أنني أحاول أولاً نفي فكرة أنني مستورد من الخارج لا يعرف شيئاً عن مصر، وكسرت ذلك بنزولي إلي سيدنا الحسين، وهناك رجل بساق واحدة صافحني وهو لا يعرف محمد البرادعي، إنما هو عانق رمزاً.. عانق فكرة.. وهؤلاء هم من أعمل لأجلهم، أعمل لأجل الأطفال في الملاجئ، لأجل الشعب المصري الفقير، وكثيرون من الشعب المصري يعلمون أنني لا أبغي من وراء ذلك لا مالاً ولا جاهاً، ليس معني ذلك أنني لست مستعداً لأقود التغيير، وإنما مرحلة قيادة التغيير تأتي بعد أن تكون لديَّ الأرضية التي تجعل الشعب يتعاطف معي. هذه المرحلة مليئة بالعقبات، أولاً أود أن يكون حولي ما يطلق عليه الكتلة الحرجة (الصلبة ) من المصريين الذين يشاركونني هذه الرؤية، ثانيا فإنني أريد بجانب الكتلة الحرجة أن أنشر ثقافة التغيير في مصر .
> هذه حالة دعوية تبشيرية وليست حالة قيادة سياسية ولا حالة مرشح سيطرح نفسه للناس ؟
- لكي تنقل إنساناً لابد أن تبشر وتدعو أولاً حتي يقتنع.
> تتحدث عن الدعوة للتغيير وكأنها وُلدت أمس في فبراير مع مجيء الدكتور البرادعي إلي القاهرة، هذه الدعوة وهذا التبشير للديمقراطية ظهرا بوضوح مجسداً في 2005 فجئت بعدها بخمس سنوات وكأنك تريد أن نبدأ اختراع العجلة من اللحظة الأولي، أو كأنك تقول إننا بلد يعاني الديكتاتورية، وهيا بنا نعرف معني الديمقراطية هيا بنا نبشر بحلولها، أنت تعلم أن الناس أُرهقت خلال خمس سنوات وأنها تردد نفس الكلام، وظنت أن الدكتور محمد البرادعي سينقلها نقلة مختلفة فإذا به يبدأ من أول السطر مرة أخري، وتقول نحن في حالة ديكتاتورية ونريد أن ننتقل إلي الديمقراطية، فما الجديد من الدكتور البرادعي ؟
- الجديد أننا علي الرغم من كل الحركات التي ذكرتها فإنها لم تتعد هذه اللحظة في مصر 1000 شخص، هناك تعاطف وليس من جميع الشعب المصري، عندما تسمع الشعب البسيط يقول لك إنه ليس له شأن بالسياسة، وهو لا يعلم أنه كل يوم يعمل في السياسة عندما يقول إنه محبط وهذا معناه أنه لا يحصل علي حقه، تستنتج وقتها أن هذا سيدفعه عن حقه، لكنك تجد أن هذا ليس موجوداً، ثقافة أن كل فعل وكل شيء هو في الأصل سياسة ليست موجودة. ثانياً هناك خوف يسيطر علي المصريين اليوم، ولهم حق فيه خاصة عندما يجدوا شباباً في دمنهور يقومون بتجميع توقيعات فيتم اعتقالهم ويسجنون، فهناك طالب اسمه طارق خضر مازال معتقلا وأهله لا يعرفون طريقه وذلك فقط لقيامه بدخول جامعة الإسكندرية لجمع توقيعات، النظام يدعم حالة الخوف، وفي المقابل هناك التعاطف، وما أريده هو أن يعلن الشعب المصري أنه ليس متعاطفاً فقط وإنما ينتقل لمقولة أنا مؤيد، وهذا ما نحاول الوصول، أنا أعرف أن لك رأياً مخالفاً في مسألة التوقيعات، لكنني أري
أن التوقيعات معناها أن تعطيني وزملائي الذين يعملون معي زخماً، فبها أستطيع أن أقول للنظام، إنك إن لم تغير فإنك تخالف الإرادة الشعبية.
> هل النظام في حاجة لهذه الجملة من خلال ملايين التوقيعات؟ ألا تري أن هذه الجملة يمكن أن تقولها الآن دون أن تلجأ إلي استفتاء شعبي من خلال توقيعات راغبة في التغيير أو التفويض؟
- نعم أقولها الآن، إنما الرد عليَّ لن يكون عقلانياً وليس هو الرد الذي أريده .
> هل تتوقع من النظام رداً عقلانياً أو مستجيباً لك؟
- بالقطع لا، فعلي سبيل المثال تجد موقع الحزب الوطني ينشر مقالاً ـ بعد زيارة الإخوان المسلمين وهم بالطبع لم يرتاحوا إلي هذه الزيارة ـ يقولون فيه إنني تقابلت منذ عدة أشهر مع نائب من الإخوان المسلمين لا أعرف اسمه، في مطعم في لندن لا أعرف اسمه! وإن زوجتي لها أصول إخوانية.. لقد وصلوا إلي مستوي كبير من التدني الأخلاقي والمهني، وهذا من موقع الحزب الوطني الذي يدَّعي أنه الحاكم، أريد أن أقول للنظام عندما يسألني: من أنت؟! أقول له: أنا أقوم بتمثيل الشعب المصري، أريد أن أعطي شيئاً ملموساً له ولكل العالم.
> أشعر بأنك تضع أهمية وقيمة كبيرة لما يُكتب بالصحافة الحكومية وما يصدر عن كتَّابها رغم أنه لا شيء مفاجئًا في هذا الأمر، وكأنك كنت تنتظر شيئاً مختلفاً، وكأن ما يكتبونه مؤثر إلي الدرجة التي تجعلك تضع كل منهم علي أجندتك في الحديث ؟
- أقول لك شيئاً ـ ربما لأول مرة أقوله ـ وهو أنني لم أقرأ خمسة وتسعين بالمائة مما كُتب عَنِّي في الصحف الحكومية، فأنا عشت حياتي كلها تحت هجوم ومعارضات ومهاترات، وما نُشر علي موقع الحزب الوطني قرأته زوجتي ولست أنا، فعندما يكتب موقع الحزب الوطني وهو النظام بهذا الوضع فإن الوضع أسوأ بكثير مما كنت أتوقع .
> ولم لا تقرأ الجرائد الحكومية ؟
- لأنها ليست جرائد، فالجريدة لكي تكون جريدة لابد أن تكون مستقلة تعبر عما يحدث في مصر وما يحدث في العالم، وهذه جرائد تعبر عن وجهة نظر الحفاظ علي النظام .
> ولكن كيف ستناقش نظاماً من غير أن تقرأ أفكاره من خلال الجرائد التي تنطق بلسانه ؟
- النظام ليس مستعداً لمناقشة أفكار، فعندما يقول النظام إنه ديمقراطي وتعرف أن 30% من مجلس الشوري يتم تعيينهم من جانب السلطة، وأنه طوال 30 عاماً لم يدخل مجلس الشوري من غير أعضاء الحزب الوطني سوي 6 أعضاء فقط من أصل 1900 عضو، فهذا أمر غير موجود في أي بلد بالعالم. فعندما يقال لي إن هذا النظام ديمقراطي فإنه بذلك لا يوجد هناك فكر لأناقشه. قلت لأحد المسئولين الحكوميين حين كنت أقابلهم، إنه لا توجد جريدة مصرية حكومية يمكن لك أن تقرأها، وهناك مثال واضح علي ذلك فعندما ذهبت إلي الفيوم جميع الجرائد الخاصة نشرت ذلك وفي الصفحة الأولي، بينما في الجرائد الحكومية ذكرت فقط أن محمد البرادعي كان موجوداً.
> لا تقرأ الصحف الحكومية فكيف عرفت ؟
- من زوجتي، ومن أحد أصدقائي، حقيقة لا أقرأها، لدي الأهم لكي أقرأه.
>طوال الوقت تقول إن النظام غير ديمقراطي فلو أجرينا إحصائية لهذا التعبير لديك سنجده سيد التعبيرات، وفي نفس الوقت تقول إننا لو جمعنا توقيعات ستقول للنظام أنا ممثل الشعب المصري وكأنه نظام ديمقراطي سيخضع لما تقوله باعتبارك ممثل الشعب المصري، فكيف ستجمع بين المتناقضين ؟
- أتمني من الله أن يكون التغيير سلمياً، أعلم أن التغيير حل وأنه قادم وأن المسألة مسألة توقيت.. وجدت أن هذه أسلم وسيلة تتفق مع طبيعة الشعب المصري المسالم فالذي يوقع علي ورقة لا يريد أكثر من انتخابات حرة نزيهة وفتح باب الانتخابات لمن يرغب. ولم أتوقع من النظام أكثر من ذلك، فعندما أري أكثر من 17 شخصاً لم يقولوا أكثر من أنهم يريدون تأييد البرادعي فيتم القبض عليهم، وعندما أري أن 4 في أسيوط تم القبض عليهم و8 أشخاص في دمنهور وشخص في الفيوم وآخر في الإسكندرية.. فهذا يرسخ ما لدي من أفكار عن النظام، وما قمت به من زيارات نسفت فكرة أن الشعب المصري لا يريد أن يغير.
> لو اعتبرنا هذه الزيارات أحد دلائل تجمع الناس والتفافهم حولك فالرئيس مبارك كذلك عندما يقوم بجولات ميدانية يلتف حوله الجماهير وتقوم برفع صوره ويقوم بتقبيل الأطفال ويصافح رجلاً بساق واحدة كما فعلت أنت، فلماذا تعتقد أنه سيتم تفسير هذا الالتفاف الجماهيري حولك وكأنه تأييد ورغبة في إحداث التغيير فعلا ؟
-أنا أنزل كفرد، فلا توجد حكومة ولا أجهزة أمنية تحرسني، أنزل إلي الشارع بمفردي، أريد التوقيعات من أجل إقامة الدليل علي وجود مصداقية لي، فالزيارات رمزية والتوقيعات هي أيضا رمزية ،لكنني في حاجة إليها لأنه بالمليون توقيع ستصبح لي شرعية، فأعتقد أننا لو نجحنا في الحصول علي المليون توقيع كما يقولون،سنحصل علي شرعية كما يقولون.
>من هؤلاء الذين يقولون؟
- جريدة الأهرام.
> وهل قرأتها؟
- أبلغتني زوجتي.
> لا أعرف لماذا تصدق هذا الوعد بالشرعية من سطور مهملة في جريدة، ثم إنه وفقاً لهذا المعدل أعتقد أننا نحتاج لعشر سنوات لتجميع مليون توقيع، ألا تري ذلك؟
- لا أعتقد ذلك، فمعدل الخوف بدأ في الانكسار، أول 50 ألف توقيع فقط هي الأصعب وبعد ذلك سيصبح الأمر سهلا ،الشيء الآخر هو المشاكل التي ستواجهنا أثناء تحقيق ذلك، فنحن نعمل وكأننا في إطار عنكبوتي، لا أستطيع أن يكون لي مقر أشرح من خلاله رؤيتي للتغيير، لا أستطيع أن أجمع مالاً فنحن نعمل وكأننا في دائرة تقريباً مغلقة، الحياة السياسية التي هي مشروعة في أي مكان في الدنيا هي غير قانونية في مصر، وكل شيء من المفترض أنه قانوني.. الحياة السياسية في مصر ليست لها صفة الشرعية، بل أقول إن الدستور غير الدستور، ودائما أضرب مثلا بجنوب أفريقيا، فأثناء الفصل العنصري كان لديها نظام قانوني كأعظم بلد وقضاء ومحكمة عليا ومحاكم استئناف، لكن العالم كله كان يعلم أن هذا النظام ليس له الشرعية، فلابد أن نفهم أن هذا أيضاً في مصر ـ وهو للأسف ليس من السهل قوله نعم إن كل قانون ليس بالضرورة قانونياً، فلابد لكي يطلق عليه قانون أن يكون ناتجاً عن إرادة شعبية، وانتخابات حرة ومصداقية، وهذا ليس موجودا في مصر، فعندما أنظر إلي كل القوانين الموجودة وأتمعن أتأكد من حقيقة ذلك .
>إذا كانت كل هذه القوانين غير شرعية وصادرة عن أغلبية مزورة وعن مجلس تشريعي لا يمكن الاعتداد بشرعيته، فلماذا تحترم القوانين ؟
-لا أريد أن أدخل أو يدخل الشعب المصري في صدام، أنا أنزل إلي الشارع بحريتي فلو طبق نظام الطوارئ لما نزلت، كذلك اجتمعت بقوي اليسار، ولو تم تطبيق القانون أيضا لما اجتمعت بهم، لكن أنا حريص علي الشعب المصري، وما أريده ليس فقط تكوين الكتلة الحرجة من الشعب المصري لكي أقول للحكومة إن هذه القوانين غير شرعية وليس أمامك سوي أن تغيري وتسيري إلي طريق الديمقراطية، وإذا لم تقومي بذلك فتحملي عواقب عدم التغيير السلمي .
> تتحدث عن الحكومة وكأنها الساحرة الشريرة التي عندما تأتيها التوقيعات ستصبح الساحرة الطيبة، فلماذا وما الإشارة التي تريد إيصالها من ذلك؟
- أنت دارس للتاريخ جيدًا، وكما يقول التاريخ إنه عندما يقف شعب كالبنيان المرصوص لا يمكن لأي نظام أن يقف أمام إرادته.
نستكمل غداً