إ : ف

قالت لجنة حماية الصحافيين الدولية إن سوريا والعراق ومصر تعتبر الدول الأكثر دموية بالنسبة للصحافيين، مشيرة إلى تراجع حرية الصحافة في مصر خلال العام 2013 بشكل كبير. فيما صنف خالد البلشي، عضو مجلس إدارة نقابة الصحافيين المصرية في تصريح لـ"إيلاف" أوضاع الإعلام في مصر بأنها الأسوأ على الإطلاق.


القاهرة: وفقاً للتقرير السنوي للجنة المعنية بقضايا الصحافيين، فإن العراق ومصر حلا مكان باكستان والصومال، كثاني وثالث أخطر بلدين على حياة الصحافيين. ففي باكستان، قُتل خمسة صحافيين خلال عام 2013، بينما احتفظت سوريا بالمركز الأول في قتل واختطاف الصحافيين.

وتقدر لجنة حماية الصحافيين إن "70 صحافياً قُتلوا بسبب عملهم خلال عام 2013، وهو رقم يقل عن حصيلة عام 2012 التي بلغت 73 صحافياً. إضافة إلى ذلك، تُجري اللجنة تحقيقات بشأن مقتل 25 صحافياً آخرين توفوا خلال عام 2013 لمعرفة ما إذا كان مقتلهم مرتبطاً بعملهم".

وحسب التقرير "بلغت نسبة الضحايا الذين استُهدفوا بالقتل 44 بالمائة، أي أقل من المعدل التاريخي. أما الصحافيون الذين قُتلوا جراء تبادل إطلاق النار في المعارك فقد بلغت نسبتهم 36% فيما قُتل 20% أثناء قيامهم بأنواع أخرى مختلفة من المهمات الخطرة".

وأشار التقرير إلى أن "سوريا ظلت في عام 2013 البلد الأكثر خطراً على حياة الصحافيين فيما شهدت العراق ومصر تصاعداً في أعمال العنف المميت؛ فقد وقع ثلثا عمليات قتل الصحافيين خلال العام في الشرق الأوسط".

وذكرت أن "النزاع الدائر منذ فترة طويلة في سوريا حصد حياة ما لا يقل عن 29 صحافياً خلال عام 2013، ما يرفع عدد الذين قُتلوا خلال تغطيتهم النزاع إلى 63، ومن بينهم قُتلوا على الحدود في لبنان أو تركيا".

وتابعت "غير أن هذا العدد الهائل من القتلى في سوريا لا يروي قصة الخطر بأكملها. فبالإضافة إلى ذلك، شهد هذا البلد اختطاف عدد غير مسبوق منهم خلال عام 2013، فقد اختُطف نحو 60 صحافياً على الأقل لمدة وجيزة خلال السنة، حسبما توصلت إليه أبحاث لجنة حماية الصحافيين. وفي أواخر عام 2013، كان 30 صحافياً على الأقل في عداد المفقودين، ويُعتقد أن معظمهم محتجزون لدى جماعات الثوار.

من ناحية أخرى، توفي صحافي واحد على الأقل أثناء احتجازه من قبل الحكومة خلال السنة، وهو عبد الرحيم كور حسن، مدير البث في محطة "وطن إف إم" المعارضة. وقد اعتُقل عبد الرحيم حسن في كانون الثاني (يناير)؛ وفي نيسان (أبريل) أبلغت الحكومة أسرته بوفاته إلا أنها لم تقدم أية تفاصيل. وقالت المحطة إنه "تعرض للتعذيب حتى الموت في فرع فلسطين، وهو سجن مُخيف تديره الاستخبارات العسكرية السورية في دمشق".

وفي العراق، قُتل ما لا يقل عن عشرة صحافيين بسبب عملهم ـ حسب التقرير السنوي للجنة حماية الصحافيين الدولية ـ استُهدف تسعة منهم بالقتل، وقضوا نحبهم جميعاً في الربع الأخير من السنة.

فقد فتح مسلحون مجهولون النار على المصور محمد غانم والمراسل محمد كريم البدراني من قناة الشرقية التلفزيونية بعد انتهائهما من تصوير تقرير عن الاستعدادات لعيد الأضحى في مدينة الموصل في تشرين الأول (أكتوبر). ولم يتضح السبب وراء استهدافهما، غير أن تقارير المحطة كانت سبباً لإثارة غضب كل من الحكومة العراقية والميليشيات المناوئة لها.

وقالت اللجنة إن "كلا من باكستان والصومال والهند والبرازيل والفلبين أيضاً  شهدت حالات لوفاة صحافيين خلال السنة، ومع ذلك فقد انخفض عدد الوفيات في باكستان والصومال انخفاضاً كبيراً. وغابت المكسيك بطريقة ملحوظة عن قائمة البلدان الأخطر على الصحافيين حيث لم تتأكد أي حالة وفاة واحدة مرتبطة بالعمل الصحافي".

واعتبرت اللجنة أن مصر شهدت التراجع الأشد في حرية الصحافة في عام 2013، مشيرة إلى أنه "بحلول أواخر العام، كان ما لا يقل عن ستة صحافيين قد قُتلوا، ممَّا وضع مصر في المرتبة الثالثة بعد سوريا والعراق. واعتُقل العشرات منهم واحتجزوا لفترة وجيزة على الأقل.

وذكر التقرير أن "الصحافة المصرية باتت على مدار العام أكثر استقطاباً على الصعيد السياسي. استخدم محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤه خطاباً مشحوناً للغاية ومضايقات قانونية، عندما كان في السلطة، لتخويف الصحافيين الناقدين.

وقد وثَّقت لجنة حماية الصحافيين ما لا يقل عن 78 اعتداءً على الصحافيين في الفترة بين آب (أغسطس) 2012 وحتى الإطاحة بمرسي في تموز (يوليو) 2013. وكان أنصار الإخوان المسلمين مسؤولين عن 72 من تلك الاعتداءات، حسبما توصلت إليه لجنة حماية الصحافيين، بينما شنَّت المجموعات المعارضة بضعة اعتداءات ضد الصحافيين الذين اعتبرتهم في صف الإخوان المسلمين".

وقالت اللجنة الدولية: "انقلب الوضع فجأة على أنصار مرسي بعد أن عزله الجيش المصري وأغلق وسائل الإعلام الإخبارية المؤيدة لمرسي أو أخضعها لرقابة مشددة. وتعرضت وكالات الأنباء الأجنبية التي تُعتبر غير متعاطفة مع النظام العسكري، بما فيها شبكة "سي أن أن" ومحطة "الجزيرة"، للمضايقة بشكل منهجي".

وتابعت اللجنة تقريرها بالقول: "ومنذ تولى الجيش زمامَ الأمور، قُتل على أقل تقدير خمسة صحافيين، وتعرض 30 للاعتداء، وتعرضت مكاتب 11 وسيلة إعلامية إخبارية للاقتحام. ووثقت لجنة حماية الصحافيين اعتقالَ ما لا يقل عن 44 صحافياً. وبحلول نهاية عام 2013، كان خمسة صحافيين على الأقل لا يزالون وراء القضبان".

وانتقدت اللجنة الإجراءات الحكومية ضد الصحافة في مصر، وقالت: "أحكمت الحكومة قبضتها على وسائل الإعلام كافة بعد فرض حالة الطوارئ على المستوى الوطني"، ومضيفة "الصحافيون الذين يحيدون عن الرواية الرسمية يواجهون خطر الرقابة أو الاعتقال أو المقاضاة أو الاعتداء. وثمة شعور في أوساطهم بأن الرقابة العسكرية بدأت تترسخ رغم أن جهود مرسي لتخويف الصحافة قد باءت بالفشل إلى حدٍ كبير.

وقدرت اللجنة عدد البلاغات المقدمة ضد الصحافيين في مصر بـ300 بلاغ، وعدد الإنتهاكات التي حصلت خلال 90 يوماً بـ71 إنتهاكاً، كما قدرت عدد الصحافيين المحتجزين بخمسة صحافيين، وقدرت عدد الضحايا بستة قتلى.

وأوضحت أن التدهور الذي شهده العام 2013 على صعيد حقوق الصحافيين، يتمثل في ما يلي: "تدهورٌ في العديد من المؤشرات، بما في ذلك قتل الصحافيين والرقابة في مصر. تشريعات جديدة تهدف إلى كبح حرية التعبير في الإكوادور وليبريا وروسيا وفيتنام وزامبيا. فصل الصحافيين من عملهم وإرغامهم على الاستقالة في تركيا بناءً على طلب الحكومة. عنف موجه ضد الصحافيين في بنغلاديش وروسيا. وازدياد عمليات الاختطاف في سوريا بدرجة كبيرة. حملات تضييق على الصحافة الإلكترونية في روسيا وفيتنام وبنغلاديش".

واعتبر خالد البلشي، عضو مجلس إدارة نقابة الصحافيين المصرية، أن أوضاع الصحافة في مصر هي الأسوأ على الإطلاق في تاريخها. وأوضح لـ"إيلاف" أن الإنتهاكات بحق الصحافيين المصريين وصلت إلى حد غير مسبوق، مشيراً إلى أن القمع واستهداف الصحافيين مستمر منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، مروراً بعهد المجلس العسكري، ثم حكم الرئيس السابق محمد مرسي، وإنتهاءً بالمرحلة الإنتقالية الراهنة التي يديرها الرئيس الموقت عدلي منصور.

وأضاف أن السلطة في مصر والمعارضة كلاهما يتعرض للصحافيين ويناصبهم العداء، ويحاول نقل حالة الإستعداء إلى الجماهير. وقال إن السلطة ولاسيما وزارة الداخلية والمعارضة ممثلة في جماعة الإخوان المسلمون، يستهدفون الصحافيين بالقتل أو الضرب أو البلاغات أمام النيابة العامة، ويتخذ كل طرف من الصحافة عدواً له، ويحملها مسؤولية فشله.

وذكر البلشي أن الصحافيين في مصر يعملون في ظروف هي الأسوأ على الإطلاق، ويواجهون خطر إطلاق الرصاص عليهم بشكل مباشر، من قبل أجهزة الشرطة، أو الضرب والتعذيب من الشرطة والأهالي معاً، خاصة في ظل حالة التحريض التي تمارسها السلطة والمعارضة بحق الصحافيين.

وأفاد البلشي بأن الحكومة المصرية تتحمل المسؤولية كاملة عن تدهور أحوال الصحافة وإستهداف الصحافيين، ومطالباً إياها باتخاذ إجراءات سريعة وفعالية من أجل الحد من الإنتهاكات بحقهم. كما حمل البلشي نقابة الصحافيين المسؤولية عما يتعرض له الصحافيون من انتهاكات، متهماً الجمعية العمومية للصحافيين أيضاً بالتقصير في الدفاع عن حقوقها.

وقالت منى نادر، مدير المرصد الإعلامي في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن أوضاع الصحافة في مصر متدهورة للغاية. وأضافت لـ"إيلاف" إن ثمة عمليات قتل عشوائي للصحافيين أثناء ممارسة عملهم، بالإضافة إلى عمليات إعتقال أيضاً، مشيرة إلى أن التضييق على الصحافيين والإعلاميين في مصر أكبر من أي وقت مضى، فضلاً عن الرقابة على ما ينشر بالصحف والمواقع الإلكترونية، ولفتت إلى ظهور نمط جديد للرقابة، يعرف باسم الرقابة الذاتية، وهي الرقابة التي يمارسها الإعلاميون على أنفسهم، إما خشية التعرض للإعتقال أو الإيذاء، أو تقرباً من السلطة الحالية.