تحدث الكاتب البريطاني «باتريك كوبرن» عن الثورات العربية التي اندلعت عام 2011، وقال إن الثوار اعتقدوا أنهم اكتشفوا صيغة رابحة للتصدي لدولة قمعية. احتل المتظاهرون السلميون ميدانًا أو مساحة مركزية في العاصمة مثل ميدان التحرير في القاهرة أو دوار اللؤلؤة في البحرين، الذي أصبح رمزًا للمقاومة ونقطة تجمع المتظاهرين.

يقول كوبرن في مقاله المنشور على صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، إن هذه المرحلة أظهرت أيضًا كل تهمة توجه للشرطة أو مكافحة التهمة من قبل المتظاهرين تجري أمام الكاميرات «وكان من السهل الحديث بشكل مبسط عن متظاهرين سلميين في مواجهة نظام مستبد وقمعي».

ولكن كما يقول كوبرن، إن الأمر لم يكن بمثل هذه البساطة، وكان يجب على الثوار أن يكون لديهم فكرة عما سيفعلونه بعد الإطاحة بالأنظمة الموجودة.

يقول كوبرن: إن القول بأن أي شيء أفضل من الوضع خاصة في مصر وسوريا القائم ليس كافيًا، عندما يجد الناس أن حياتهم قد ازدادت سوءًا. ويتساءل «ماذا يحدث عندما ترغب القوى الأجنبية التي كانت متلهفة ذات يوم على دعم المحتجين، أصبحت هي الأخرى تبحث عن قطعة من الكعكة السياسية؟»

يقول الكاتب: إن نجاح هذه الاحتجاجات الأولى يعني أن الثوار الذين هم دائمًا أفضل عندما يتعلق الأمر بالأساليب من الاستراتيجيات لم تكن لديهم غير أفكار قليلة عما يمكن القيام به فيما بعد.

ولكن الصيغة التي جاءت بهم إلى السلطة لا تزال تعمل، فخلال الثمانية أشهر الماضية زعزعت الاحتجاجات الجماهيرية المستمرة منذ فترة طويلة الحكومات في تركيا وتايلاند وأوكرانيا. وفي حالة مصر فقد اندلعت في مصر مظاهرات ضخمة يوم 30 يونيو أدت مباشرة إلى «انقلاب عسكري» ومنحته شرعية.

في إسطنبول وكييف، كان ميدان تقسيم وميدان الاستقلال مسرحي «الدراما الثورية»، غير أن حدث هذه المرة وكان يختلف كثيرًا عن 2011 ، رغم أنه من الصعوبة تبيان هذا الاختلاف؛ لأن التغطية التليفزيونية عادة ما تعيد إنتاج نفس القصة المبسطة، كما حدث من قبل .

فما حدث هذه المرة، ولا تذكره التغطيات الإعلامية في كل من كييف والقاهرة وبانكوك وإسطنبول أن المحتجين يواجهون قيادات تم انتخابها بشكل ديمقراطي.

يقول كوبرن: إن المشاهدين الذين يتابعون على شاشات التليفزيون الاحتجاجات في ميدان الاستقلال بكييف خلال الأسابيع الأخيرة الماضية ربما فهموا أن الرئيس فيكتور يانوكوفيتش هو طاغية وضعته في الحكم الدبابات الروسية أو الانقلاب العسكري، وقد يكون يانوكوفيتش مستبدًا بالفعل غير أنه جاء عام 2010 بانتخابات رئاسية حصل على 12.5 مليون صوت من مجموع أصوات الناخبين مقابل 11.6 مليون حصلت عليها يوليا تيموشينكو.

يقول كوبرن: إن بعض المعارضة في تركيا حاولت الفوز في الشارع بما فشلت في الفوز به في صناديق الاقتراع، وهو ما حدث في تايلاند أيضًا عندما تحولت الاحتجاجات المناهضة للحكومة على مدار ثلاثة أشهر لتصبح في النهاية غير ديمقراطية بشكل علني، وتسعى لمنع الناس بالقوة من التصويت في الانتخابات العامة في 2 فبراير، وكان حل المحتجين للأزمة هو تعيين مجلس غير منتخب من مجموعة من «الرجال المحترمين» لإدارة البلاد.

وتحاول الاحتجاجات في تايلاند التخلص من حكومة ينجلوك شيناواترا التي تعمل نيابة عن أخيها الأكبر المنفي ورئيس الوزراء السابق تاكسين شيناواترا، الذي فاز حزبه مرارًا في الانتخابات.

تدعم المظاهرات مؤسسة تايلاندية متصلة بالديوان الملكي والقضاء وموظفي الحكومة والحزب الديمقراطي المعارض، وكان هدف المعارضة زعزعة استقرار الحكومة من خلال شل بانكوك عبر احتجاجات في الشوارع وإثارة أزمة تسمح بتخلص القضاء أو أي هيئة حكومية أخرى من حكومة شيناواترا.

يقول كوبرن: إن الاختلاف في الصراع الدائر في أوكرانيا عن مثيله في تركيا وتايلاند أن المتظاهرين في كييف يتوقعون تأييدًا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بينما تتوقع الحكومة دعمًا من روسيا، وقد حصلت المعارضة بالفعل على تغطية إعلامية كبيرة مؤيدة لها في محطات التليفزيون والصحافة الغربية وصورتها على أنها صراع بين المواطنين في أوكرانيا وحكومة قمعية.

فالتغطية التليفزيونية لأي احتجاجات ليس من طبيعتها أن تمنح وقتًا طويلًا لشرح أوضاع معقدة عن الدور الذي يمكن أن تلعبه قوى خارجية أو منافسة بين القوى المختلفة داخل المجتمع.

يختتم كوبرن بالتساؤل: «هل فقد نموذج ميدان التحرير مصداقيته؟» ويجيب ربما ليس بالكامل؛ لأنه يلائم بشكل كبير احتياجات التغطية التلفزيونية غير أنه أصبح الآن في خدمة كل من المحتجين الذين يطالبون بحكومة منتخبة وأولئك الذين يرفضون القبول بالخسارة في مثل هذه الانتخابات ويختتم بالقول بالقطع إن من يخسر الانتخابات، في مصر وتركيا وتايلاند وأوكرانيا لديه حقوق، غير أن هؤلاء الذين يربحون هم أيضا لديهم حقوق مماثلة.