الطوب انهال على السيارة حتى تكسَّر الزجاج الأمامى.. وامتدَّت أيادى الإخوان لتسرق ما تطوله ثم جذبونى من شعرى محاولين إخراجى بالعنف لولا «مصطفى» ذلك الشاب الصعيدى الذى خلصنى منهم.

ثلاث سنوات مضت منذ نزلنا للشارع يوم 25 يناير 2011 حتى الآن. واجهنا خلالها صنوفا متنوعة من الاعتداءات والتنكيل، لكن يوم 6 أكتوبر 2013 كان يوما فارقا. علىَّ أن أعترف أن المواجهة مع نظام مبارك وكذلك المجلس العسكرى شىء ومواجهة البلطجية وملحوسى العقل شىء آخر يفوقه خطورة تماما، إنه الفارق بين أن تقبض عليك الشرطة وبين أن تقع فى أيدى البلطجية. الإخوان ومناصروهم وبلطجتهم هى اليوم ما يواجهه المصريون فى الشوارع والحوارى. ناهيك بما يواجهه رجال الجيش والشرطة من إرهابيين متعددى الجنسيات متوحدى الهدف على إرهاب المصريين وتركيعهم بقطع العيش والطرق والأرزاق بالضرب والحرق، بالقنابل والأسلحة الثقيلة، بانتهاك الحرمات وتعطيل الجامعات وكل أشكال الإرهاب والترهيب.

أن تقدر على فعل ذلك بأهلك وناسك، فلا بد أن تكون عبدًا مستعبدًا معطَّل الإرادة من قبل مهاويس يقودون ممسوحى عقل.

ذلك ما خبرته ورأيته من متظاهرى الإخوان فى يوم السادس من أكتوبر الماضى، فبينما يحتفل المصريون فيه بالنصر وببطولات جنودهم وضباطهم يقرر هؤلاء المنقطعون المعزولون المتنطعون على الوطن والوطنية، هؤلاء المهووسون بالجماعة أن ينكدوا على المصريين ويفسدوا عليهم فرحتهم على ندرة ما يفرح.

فى ذلك اليوم وفى أثناء نزولى من مقر جريدة «التحرير» الواقع فى شارع جانبى ضيق بحى الدقى، كان فلول المتظاهرين الإخوان المتفرقين من مظاهرة شارع التحرير عائدين إلى شارع محيى الدين أبو العز.

توجهتُ إلى سيارتى فإذا بامرأة منتقبة تلوّح فى وجهى بيدها صائحة «ألم تكونى أول من رفض حكم العسكر؟» فأجبتها «لو كان طنطاوى قد خاننا مرة فقد خاننا الإخوان ألف مرة». نصحنى المارة بإغلاق نافذة السيارة والتحرك، ففعلت وإذا بالفلول المتفرقين من المظاهرة الآتين من الشوارع الجانبية يلوّحون بعصبية بإشارة رابعة «الماسونية» يخبطون على السيارة بأيديهم وشاب واحد وحيد يضع قناعا طبيَّا يحاول نهيهم. أُخاطبه بودّ قائلة إنه ما دام بقىَ فى عمرى بقية، فإن مكانه ليس بين هؤلاء البرابرة المتوحشين. وإذ فجأة عينك ما تشوف إلا النور، الطوب ينهال على السيارة كالمطر محدثًا قرعًا عالى الصوت ليكسر الزجاج الأمامى فأواجههم بابتسامة مشيرة إلى فعلتهم المشينة فإذا بهم يمعنون فى التكسير حتى يأتوا على كل النوافذ، وتمتد أيادى إخوان «مسلمين» داخل السيارة لتسرق ما تطوله والطوب مستمر فى استهدافى وأنا داخل السيارة، حاولوا فتح بابها من الخارج لكن عادة الإغلاق من الداخل بالمسوجر أنقذت حياتى. أىُّ رعب هذا تعرَّض له قبلى عشرات المصريين داخل سياراتهم ومنهم من كانت بجانبه زوجته وأطفاله؟!

بعد تحطيم كل زجاج السيارة بدؤوا بالتنشين علىَّ بالطوب ثم جذبى من شعرى محاولين إخراجى، لكن تلك الحادثة وكل ما مر بالمصريين ذلك اليوم يترك نقطة مضيئة، ألا وهى أنه لا يزال وطننا فيه رجال مصريون يدافعون بشهامة عن امرأة وعن الشوارع والبيوت والسيارات والمارة معرّضين حياتهم للخطر على أيدى هؤلاء، منهم مصطفى، ذلك الشاب الصعيدى الذى حكى لى فى ما بعد كيف تلقى ضرباتهم وهو يخلّص شَعرى من أيديهم النجسة لإخراجى من السيارة، فأتمكن من الفرار فى معجزة حقيقية لأحتمى بمطعم يَمَنِى يخبرنى رواده ومُلّاكه أنهم مستعدون للشهادة معى بكل ما حدث. ولولا وجود الشرطة بالمنطقة وفى نهاية الشارع لما تورع هؤلاء المجرمون عن اللحاق بى ولَكُنت فى خبر كان.

لكن المؤلم حقًّا أنك تجد مَن هم من لحمك ودمك لا يتورعون عن إيجاد المبررات لهؤلاء القتلة البرابرة المتوحشين بمقولة أنى دعوت للثلاثين من يونيو وأنى حشدت لتفويض الجيش والشرطة للقيام بدورهما فى حماية الوطن من هؤلاء المنحطين، فيصطنعون المبرر اللا عقلانى منزوع الضمير لإجرامهم وعنفهم المتنامى تجاه أهل مصر، مصر التى آوتهم فلم يتخذوها وطنًا بل مجرد سكن، ثم يستبيحون أهلها وأرضها وتاريخها وجوامعها وكنائسها وأديرة رهبانها.

تلك الكلمات أوجهها إلى أختى الحبيبة والدة الأبناء الإخوانجية، تلك المرأة المحسنة التى لا تستطيع أن تعلن عن غضبها أمام أبنائها الذين يشاركون فى حرق الوطن ولو بالسكوت والتبرير، وتتباكى على القتلى والجرحى من أبناء الوطن ناسية أو متناسية أن الجماعة هى الفاعلة فتتأسَّى على الاحتفال بالسادس من أكتوبر بالفن والغناء ولا تتألم للحظة على مَن هم من لحمها ودمها الذين يخرجون فى مظاهرات مع قتلة وخونة يحملون السلاح ويروِّعون أهل مصر المحروسة فى كتاب الله العزيز الحكيم. مصر المؤمنة التى يتصور هؤلاء الصهاينة أنهم يمكنهم أن يعودوا لحكمها ولو لثانية. يظنون أنهم قادرون على هزيمة مصر وكسرها فى يوم نصرها، هؤلاء الذين احتفلوا بالخامس من يونيو ذكرى الهزيمة ثم ينزلون بالسلاح إلى الشوارع لقتلنا يوم السادس من أكتوبر العظيم.

وكلمتى الأخيرة لحكومة البلاوى، ولا أقول الببلاوى، التى تتكلم عن المصالحة وتتقاعس عن المحاسبة غير دارية بمعاناة المصريين اليومية مع هذه الجماعة الإرهابية، كأنها حليف لهم، فلا يجد المصريون إلا أن يأخدوا حقهم بأيديهم من هؤلاء الآثمين، وغدًا سينقلب عليكم أيها المرتعشون الفاشلون.