محيط ـ عادل عبد الرحيم
تواصلت الاحتجاجات العمالية والشعبية أمام مجلس الشعب "البرلمان المصري" لتدخل أسبوعها الثالث على التوالي، فلم يشهد شارع القصر العيني الذي يقع فيه المجلس أجازة ولو ليوم واحد من موجة الاعتصامات المظاهرات التي تراوحت ما بين الساخنة والمشتعلة.
وبات أمرا طبيعيا مشاهدة عربات الأمن بصورة تشبه الثكنات العسكرية من أول مبنى رئاسة مجلس الوزراء وعلى طول الطريق الممتد حتى مقر البرلمان بصورة تعيد للأذهان ساحة "هايد بارك" التي تخصصها بريطانيا للمحتجين، وتتنوع العناصر المشتركة في هذه الاحتجاجات ما بين معاقين يبحثون عن فرصة للحياة سواء بالحصول على فرصة عمل أو شقة تأويهم.
إضافة إلى عمال تعرضوا للاضطهاد أو حالمين برفع أجورهم، أما الفئة الثالثة فتضم المنشغلين بالهم السياسي والباحثين عن الحرية والمطالبين برفع حالة الطوارئ التي تعيشها مصر منذ نحو 30 عاما.
وتشير المعلومات إلى ظاهرة جديدة باتت تدفع المواطنين للانضمام إلى تلك المظاهرات من دون أن يحركها قوى سياسية أو تيارات ذات مصالح كما كان يحدث في أيام سابقة، فأصبح أمرا عاديا أن ينضم رجل الشارع العادي لهذه المظاهرات حتى ولو لم تكن له قضية محددة يدافع عنها أو يطالب بها، فكل من يشعر بضيق الحال أو تغلق في وجهه أبواب الرزق أو يعجز عن تدبير احتياجاته المعيشية يجد نفسه مدفوعا بشكل تلقائي للانضمام إلى تلك المظاهرات.
ولا يجد رجال الأمن بدا من التحلي بسياسة ضبط النفس أمام تلك الاحتجاجات حتى لو تعرضوا لاحتكاكات من جانب المواطنين، وهو ما بدا واضحا خلال تظاهرات شباب حركة "6 أبريل"، فرغم أنه كان من المعتاد أن يبدأ رجال الأمن بتفريق هذه التجمعات بالقوة، لاحظ المراقبون سياسة النفس الطويل التي حاولت الشرطة التحلي بها.
الأمر الذي دفع بعض نواب البرلمان مثل نشأت القصاص وأحمد أبو عقرب للدخول في حلبة المزايدات السياسية بأن عاتبوا وزير الداخلية على عدم اللجوء لإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وهو ما أثار حالة غليان كبيرة بين الحقوقيين أجبرت الأعضاء على سحب تحريضهم على قتل المتظاهرين.
وهو ما دفع أيضا وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي للتصريح بأنه أعطى أوامره لرجال الشرطة بممارسة أقصى درجات ضبط النفس في مواجهة تلك الاحتجاجات، كما دفع د. احمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، لوصف هذه المظاهرات بأنها خير دليل على تطبيق الديمقراطية بشكلها الكامل على أرض مصر، وإن كان بعض النواب لم يتحمل هذه الجرعة من الاحتجاجات مثل النائب عبد الرحيم الغول الذي اشتبك مع المحتجين ووجه لهم شتائم لاذعة عندما تعالت هتافاتهم على أبواب البرلمان.
وبشكل عام تتلخص أهداف المحتجين في المطالبة بعدة حقوق من بينها وضع حد أدنى مناسب للأجور بناء على ما قررته دوائر قضائية عليا بألا يقل دخل الفرد عن 1200 جنيها، مع ضرورة لجم اشتعال الأسعار الذي دفع بكيلو اللحم إلى أكثر من 60 جنيها "حوالي 12 دولار أمريكي"، أما الشباب فيطالبون بالحق في الحياة بداية من توفير فرصة عمل مناسبة واحتفاظهم بالحق في التعبير عن وجهة نظرهم بحرية، أما الفئة الثالثة فهي الحالمة بالتغيير وتعديل الدستور لإعطاء الفرصة أمام الخبرات الجديدة لعلها تصلح ما أفسده الجمود.
وأيا ما كان الأمر فإنه مما لا شك فيه أن الواقع الاجتماعي والسياسي المصري شهد تغييرا وحراكا لا رجوع فيه، ولعل أبسط ما يترجم هذا الاعتقاد تلك الهتافات التي رددها المتظاهرون والتي تعبر عن مقدار الخنق الذي بات الملايين يرزحون أسفله ومن بينها "يا نظيف يا نظيف بيتنا من غير ولا رغيف" في دلالة على أن الكثيرين باتوا لا يجدون الخبز الحاف ليأكلوه.
وتبرهن هذه الأحداث على أن الأيام القادمة في مصر ستكون مختلفة بكل المقاييس، خصوصا مع دخول البلاد عام الحسم الذي سيشهد ثلاث معارك انتخابية من بينها انتخابات الشورى، أكثرهم هدوءً، وانتخابات برلمانية، أكثرهم اشتعالا، أما الثالثة فهي انتخابات الرئاسة التي تحل العام المقبل ولا أحد يعلم مداها سوى الله.