علي الرغم من التحذيرات والمخاطر الشديدة للهجرة غير الشرعية, فإن مراكب الموت مازالت تقل الراغبين في الثراء السريع, الطامحين إلي الارتقاء بمستواهم المادي, الطامعين في الحصول علي رضا ست البنات وأجملهن.. برغم رؤيتهم النعوش الطائرة وبداخلها جثامين لشباب, دفنوا أحلامهم الثري, وعاش أهلهم يتجرعون المرارة.
قرية كفر كلا الباب, التابعة لمركز السنطة بمحافظة الغربية80 ألف نسمة هي إحدي المحطات التي يبدأ منها الطريق إما إلي الثراء أو الموت ومن يفتقدهما فقد عاد بخفي حنين يجر وراءه خيبة أمل وأمامه ديون لن يستطيع سدادها!!
جنوب إفريقيا هي المقصد الثاني ـ بعد إيطاليا ـ لشباب قرية كفر كلا الباب, الذين يؤكدون أنهم لو وجدوا عملا هنا مارحلوا إلي هناك, برغم أن أجرة العامل قد وصلت في كلا الباب إلي60 جنيها يوميا.
المظاهر التي بدت علي القرية, والقري المجاورة لها مثل: مسهلة, والكرما والباذنجانية, من بناء فيلات وعمارات بطوب فرعوني, بالإضافة إلي الزواج من أي فتاة تقع عليها عيناه, بغض النظر عن كون الشاب غير متعلم أو حاصل علي مؤهل متوسط, والفتاة حاصلة علي مؤهل عال, مادام سيدفع شبكة يصل ثمنها إلي70 ألف جنيه حتي أن بعض الفتيات بالقرية لم يعد تفكيرهن في الشاب الذي سترتبط به, وإنما كم سيدفع, وبكم سيجهز عش الزوجية الذي يقيم فيه شهرا واحدا كل عامين علي أحسن الفروض!
حكت إحدي الفتيات بقرية كفر كلا الباب أنه تقدم لها شاب لخطبتها, فسألت الفتاة والدة الشاب: هو العريس معاه إيه يا طنط؟( تقصد المؤهل الدراسي) فأجابت معاه إقامة يا حبيبتي!!
كان آخر الجثامين التي عادت, لشاب يبلغ من العمر25 عاما حاصل علي مؤهل عال, وكان من المقرر أن ينزل لو قدر له بعد شهرين, حيث كان يستعد للخطبة والزواج بعد رحلة استمرت عامين, ذاق خلالها عذاب الغربة أشكالا وألوانا, كما يقول عبد الخالق34 سنة, حاصل علي مؤهل متوسط, بأن الشاب من كفر كلا الباب يفكر في السفر إلي جنوب إفريقيا لكثرة أعداد الشباب المسافرين من القرية, رغبة في الزواج وفتح بيت.. إلا أنه ينتفض واقفا ويقول كان يوما أسود, يوم وصولي إلي جنوب إفريقيا حيث كان أول شئ لابد أن أفعله, هو أن أدخل البلد بصفتي لاجئا فقد تم تمزيق جواز السفر, وأصبحت بلا هوية.. لقد فقدت كرامتي يوم قلت: إني لاجئ.. ويؤكد أننا نموت من الرعب كل لحظة, خوفا من هجوم العصابات علينا سواء في الشارع أو البيت.. حيث لا تفاهم..
.. وفي منزل أحد الذين سافروا إلي الجنوب, ويبلغ من العمر42 عاما, ورجع حاملا حقيبة بها العديد من فرش الأسنان بالإضافة إلي عدد2 جاكت فرو لزوجته التي ما أن رأته بعد عام واحد فقط من الغربة, حتي صرخت قائلة: الناس خيبتها سبت وحد, وأنا خيبتي في زوجي وعيالي ما وردت علي حد وعندما استوضحت منها الأمر قالت.. أبو العيال سافر بعد ما استدان بـ30 ألف جنيه, ورجع بدون مليم أحمر حيث خرجت عليه عصابة أخذت كل ما معه من أموال.. حتي ملابسه أخذتها العصابة, ولكي يرجع إلينا استدان مرة أخري, فأصبحنا مكبلين بالديون!!
ويشير الزوج العائد من جنوب إفريقيا بفرش أسنان وعدد2 جاكت فرو لزوجته إلي أنه اضطر إلي تسفير ابنه البالغ من العمر(10 سنوات) إلي أخواله الموجودين في إيطاليا ويملكون وكالة خضراوات.. حيث تم شحنه مع الشباب المسافر حتي وصل إلي الشاطئ الإيطالي وقبض عليه الصليب الأحمر الدولي, وتم إدخاله مدرسة يتعلم فيها حرفة ثم يخرج ليعمل في إيطاليا, علي أنه أحد الأطفال الفلسطينيين, ويكمل الزوج, أما الابن الآخر9 سنوات فقد خرج من المدرسة, ويعمل حاليا نجار مسلح; استعدادا للسفر إلي شقيقه وأخواله بإيطاليا وينصح أي فتاة بعدم الارتباط بأي شاب مسافر إلي الجنوب, علي الرغم من أن القرية لم يعد بها إلا قلة من الشيوخ والأطفال.. أما الشباب فقد اتجه إلي الجنوب أو إيطاليا, حيث المال بلا كرامة خاصة أن الشاب يضطر في بادئ أمره هناك إلي الزواج من إحدي الجنوب إفريقيات بمقابل مادي, حتي إذا ما تعرض لمشكلة اتصل بها لإنقاذه من أيدي رجال الشرطة علي أنه زوجها!! وأيضا برغم علم الزوجات في القرية بذلك.