الأخبار المتعلقة بصحة الرؤساء تحاط بالسرية والكتمان‏ إلا أن الإعلان عن إجراء الرئيس مبارك عملية جراحية في ألمانيا صنع حالة ارتياح لدي الشارع وأغلق الباب أمام القيل والقال. هذه العلانية مدت جسور التواصل بين الناس بمختلف تصنيفاتهم وبين الرئيس.

وفيما اعتاد الرأي العام في مثل هذه الوقائع علي طرح اسئلة واستفهامات تتعلق بالأوضاع السياسية في البلاد فقد بدا واضحا هذه المرة اختفاء حالة القلق السياسي وصار شغف الاطمئنان علي صحة الرئيس ملحوظا بقوة في مختلف الأوساط‏,‏ والأماكن خاصة في قري ونجوع مصر لاسيما أن الخبر تصدر افتتاحيات البرامج الفضائية ونشرات الأخبار فضلا عن الصفحات الأولي للصحف القومية والحزبية والمعارضة‏.‏

الملمح البارز في مشهد سفر الرئيس أنه احترم شعبه وأعلن عن حقيقة غيابه باعتباره رئيسا منتخبا‏,‏ ومن حق شعبه أن يعرف كل الأخبار المتعلقة به‏,‏ كما أنه طبق الدستور وأصدر قرارا جمهوريا بتفويض رئيس مجلس الوزراء الدكتور أحمد نظيف جميع اختصاصات رئيس الجمهورية خلال فترة علاجه بالمانيا طبقا للمادة‏82‏ من الدستور ولحين عودته إلي مباشرة مهامة‏,‏ كل هذا أسهم في توسيع وتعميق دائرة الثقة في شخص الرئيس الذي وضع في اعتباره أنه يتحرك وفقا لرقابة شعبية من ناخبيه‏.‏

ردود الأفعال في الشارع السياسي أكدت أن شخصية بحجم الرئيس مبارك تعلن عن نبأ مرضها وسفرها خارج مصر‏,‏ وفي توقيت يعيش فيه الشارع السياسي متغيرات عدة جعل الجميع يضع يده علي قلبه داعيا المولي عز وجل أن يعيد الرئيس مبارك سالما غانما لأن الأوضاع الحالية تؤكد أن الوطن في حاجة إليه‏,‏ وهنا يلمس المراقبون والمتابعون أن التكهنات والتحليلات السرية والعلنية توقفت عند لحظة فارقة عادت إلي الوراء لتبدأ قراءة المشهد السياسي في عصر الرئيس مبارك منذ بدايته فتتوقف عند مشهد القائد الأعلي للقوات المسلحة‏,‏ مشهد رجل خاض الحرب وحافظ علي السلام‏,‏ مشهد بطل النصر في حرب أكتوبر‏1973,‏ مشهد قائد عندما تصل اليه الحقائق يتدخل لحل الأزمات مهما يكبر أو يصغر حجمها بدءا من المشاكل البسيطة في الداخل أو الخارج‏,‏ مرورا بمشاكل الضرائب العقارية وحتي أزمة التلميذة آلاء إبنة محافظة الدقهلية التي تكاتف عليها مسئولو التربية والتعليم عندما قالت رأيها سياسيا‏,‏ ولم ينقذها سوي الرئيس‏.‏

رئيس منتخب

الحديث هنا ليس عن سرد إنجازات الرئيس‏,‏ الواقع يشهد علي إنجازاته وإنما نحن بصدد إرساء مبدأ للشرعية يؤكده الرئيس وحسب رؤية الدكتور جهاد عودة استاذ العلوم السياسية فإن سياسة الشفافية تقول إن الرئيس نتيجة أنه رئيس منتخب فقد رأي أنه لابد ألا يخفي خبرا عن شعبه‏,‏ لأن الرئيس المنتخب خاضع لفكرة المحاسبة الشعبية التي تعني أن الشعب لابد أن يعرف مايدور من حوله بشأن القيادة السياسية‏,‏ كما أن الرئيس في النهاية بطل قومي لأنه حارب العدو الاسرائيلي في الخارج وحارب الارهاب في الداخل الأمر الذي يقول لنا إن البطل بطبيعة الحال لابد أن يكون بطلا واضحا‏,‏ ولأن البطل لديه ثقة في نفسه وفي شعبه فقد فوض رئيس الوزراء للقيام باختصاصاته خلال فترة غيابه وفقا للدستور وهذا لم يحدث في عهود سابقة الأمر الذي يؤكد أن الرئيس مبارك حريص علي الشرعية وهنا يبين الفرق بين فكرة الشرعية وفكرة الحكم في عقل الرئيس مبارك‏,‏ وهذا معني لابد من الانتباه له يؤسس لمبدأ الشرعية بعيدا عن شخصية الذي يحكم وهذا يدفعنا للتمسك بهذا الرجل لأنه حريص علي الشرعية‏,‏ وأضاف د‏.‏ عودة‏:‏ نتمني عودة الرئيس سريعا إلي أرض الوطن لكي يواصل كل مسئولياته الدستورية ويعبر بمصر إلي التنمية والنجاح‏.‏

قواعد محددة

الصراحة والوضوح في الاعلان عن الخبر بعث حالة اطمئنان لدي الناس بأن كل شيء يسير وفق قواعد محددة سلفا وهذه فكرة في المؤسسية إذ أن دولاب الحكم وفقا ـ لما يصف الدكتور نبيل حلمي أستاذ القانون الدولي وعضو المجلس القومي لحقوق الانسان ـ يسير بالشكل العادي بدون أن تكون هناك أي اضطرابات‏,‏ وأنه لاشك أن الشفافية التي تعامل بها الرئيس مع شعبه أغلقت الباب أمام ظهور شائعات يمينا أو يسارا إذ أنه وضع الحدث في حجمه الطبيعي أو هذه رؤية تسهم بشكل كبير في استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية داخل المجتمع‏,‏ كما أن متابعة صحة الرئيس ومن خلال تقارير متتالية من داخل المستشفي بألمانيا يقطع الطريق أمام أي تكهنات مغرضة أو سوء نية من قبل البعض الذي قد يسعي لخلط الأمور وإحداث فتنة سياسية‏,‏ لكن الإعلان المستمر والمتواصل عن المستجدات في صحة الرئيس منذ سفره وحتي انتهائه من إجراء الجراحة يضع الشعب أمام حقيقة مايحدث للرئيس الذي انتخبه‏,‏ وهذا أثبت بمالايدع مجالا للشك أن مشاركة الشعب فيما يدور من حوله أقرب الطرق لصنع حالة ثقة بين الرئيس والشعب‏,‏ كما أن حرص الرئيس علي قيام الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء بممارسة مهام رئيس جمهورية يدل علي أنه حريص علي مد جسور الثقة مع شعبه وأنه يبعث رسالة طمأنينة تقول إن الأمور في البلاد تسير في كل أمن وأمان وفقا للدستور‏.‏

الفتنة السياسية

عندما يجهل الانسان معلومة يكون حريصا علي معرفتها فغالبا تكون النتيجة سلبية إذا إنه في ظل غياب مصادر للمعلومة يلجأ إلي مصادر مغرضة‏,‏ وحسب تحليل الدكتورة نجوي الفوال ـ الاستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ـ تكثر التحليلات والتكهنات ويتباري المنظرون في طرح واختلاق معلومات لاأساس لها من الصحة أو نشر معلومات لإثارة الفتنة السياسية أو لتشويش أفكار الناس وافقادها الثقة فيما يدور حولها‏,‏ لكن ماحدث أغلق كل الأبواب أمام الشائعات وأكد شفافية الرئيس في التعامل مع شعبه‏,‏ وأعطي ثقة كبيرة في النظام الحاكم‏.‏

في السياق نفسه تؤكد د‏.‏ الفوال أن مصر بحاجة حقيقية إلي عقلية في حجم الرئيس مبارك فيكفي أنه في اللحظة المناسبة يصوب في الاتجاه الصحيح‏.‏

اللافت أن صحة الرئيس والحرص علي الاطمئنان عليها صارت حديث كل بيت مصري في القري والنجوع‏.‏ فحسب قول محمد حسنين من السنبلاوين بمحافظة الدقهلية فإن اعلان خبر إجراء عملية جراحية دقيقة للرئيس مبارك جاء بمثابة اعلان كبير الأسرة المصرية عن حالته الصحية التي تهم كل مواطن‏,‏ فجميعنا نريد أن نطمئن علي رئيسنا الذي انتخبناه‏,‏ وننتظر عودته بعد تماثله للشفاء ليواصل سفينة الوطن‏.‏

أما فاروق العمدة أحد قيادات المجالس الشعبية المحلية بقرية الأغانة بسوهاج فيؤكد أن المزايدين علي استقرار مصر لم يجدوا فرصة لمواصلة مزايداتهم حيث كان بعضهم يتخذ من الحالة الصحية للرئيس مادة لكتابة أوهام وتخمين أمور وتوقعات لاتمت إلي الواقع بصلة‏,‏ وهذا ماشهدناه من قبل ولكن الآن الوضع تغير‏,‏ فالرئيس قطع علي أمثال هؤلاء طريق المزايدة‏.‏

أما حسن إبراهيم من محافظة الوادي الجديد فيري أن الرئيس رمز وزعيم وقائد لكل المصريين ونتمني عودته ليواصل مسيرة العطاء‏.‏