منذ قديم الزمان يعيش المصريون علي هذا الوطن كنسيج واحد.. لم تكن التعديلات الدستورية التي وافق عليها الشعب في مايو 2007 هي الباب الوحيد الذي نفذ منه المصريون إلي هوية واحدة ولا كانت هي التي تصهرهم في بوتقة واحدة ..فلا فروق بين مصري وآخر بسبب لهجته أو دينه أو جنسه أو مكان ميلاده أو إقامته.. ولكنها كانت مجرد "تعديل" تشريعي ظهر في توقيت مناسب كانت مصر يتنازعها فيه التطرف الديني الإسلامي والمسيحي علي حد سواء.

ورغم أن كثيراً من المصريين يؤمنون بأن "المحروسة" تستظل بالمظلة العربية التي لا تفرق بين أبناء الوطن علي أساس الدين. إلا أن هناك طائفة أخري تتصور أن هذا الوطن أصبح ميداناً للتمييز بين الأقليات.. أغلبية مسلمة تقهر أقلية مهضومة الحقوق من المسيحيين واليهود والبهائيين.. من ناحية أخري هناك أيضاً من يغذي منطق الانفصال بين جماعات تعيش علي أرض الوطن ويزينون لهم الانفصال مثل بدو سيناء والنوبيين.. ورغم أن النوبيين وبدو سيناء ليسوا من الأقليات الدينية. إذا افترضنا وجودها. إلا أن التلميح والإشارة إليهما يؤكدان أن مفهوم الأقليات اتسع ولم يعد مقصوراً علي المفهوم الديني ولكنه امتد ليشمل معني في منتهي الخطورة وهو فصل مصالح بعض السكان عن مصالح الوطن!!.. للمرة الأولي نجد من يتحدث باسم مصالح وحقوق بدو سيناء والنوبيين في الخارج.. ولأول مرة أيضاً يتحدث أبناء الوطن الواحد عن مصالح خاصة بدلاً من مصالح عامة.

الفتنة تتحرك الآن تجاه مصر وتحاك خيوط المؤامرة في عدة أماكن بأوروبا وأمريكا.. إنها أشبه بالإعصار الذي يتكون في مكان بعيد من تجمع الرياح ثم يتحرك بسرعة البرق لاقتلاع منازل وأشجار في مكان آخر.

هناك من يلعب في "دماغ" أهالي النوبة وسيناء.. لن أتحدث هنا عما يفعله أقباط المهجر ومظاهراتهم ضد الدولة واشتراك قساوسة في هذه الوقفات الاحتجاجية وما يردده البرلمان الأوروبي عن أن الشريعة الإسلامية تدعو للتمييز واضطهاد الغير وأنه لابد من تعديل المادة الثانية من الدستور التي تنص علي أن الشريعة الإسلامية هي أحد مصادر التشريع.. البعض يري أنها مادة ضد الدولة المدنية الديمقراطية وأنها تنتقص من حقوق الأقباط واليهود والبهائيين المصريين.. لن أتحدث عن مزاعم التمييز الديني لأن مصر دولة مسلمة ينص دستورها علي ذلك. ولو تم إلغاء المادة الثانية لحدثت ثورة من غالبية المصريين.

ولكني سأتحدث هنا عن محاولة استقطاب بدو سيناء وأهالي النوبة.. وتشجيعهم علي تدويل مشكلاتهم.. الفئة الأولي شعرت لفترة أنه ليس لديها نصيب من عمليات التعمير القائمة في سيناء وأفهمهم ناشطون سياسيون وجمعيات حقوقية تحظي بتمويل أوروبي أن الدولة تنظر إليهم كجواسيس ومهربين ومجرمين خصوصاً بعد الاشتباكات الأخيرة مع الشرطة ولجوئهم للخطف.

إن البدو في سيناء لم يكونوا يوماً أقلية. ودورهم في حرب أكتوبر وقبلها الاستنزاف معروف.. المشكلة الحقيقية أن البعض يستغل أزمات التنمية والتعمير في محافظة سيناء المترامية الأطراف ويوغر صدور البدو.. هناك ناشطون حقوقيون وصحفيون يحرضون أهلنا في سيناء لإحداث فتنة.. وهناك مزاعم بأن الإنشاءات الهندسية التي تقيمها مصر هدفها محاربتهم في "أكل عيشهم" وينسي هؤلاء أن "أكل عيشهم" لا يكون بالتهريب وتجارة الأسلحة وجلب الممنوعات.. علي أي حال بدو سيناء تحملوا معاناة النضال الوطني بعد حرب 1967 وتحملوا ذل الاحتلال الإسرائيلي وهم الذين ساعدوا قوات الصاعقة والكوماندوز المصرية في حرب الاستنزاف والعبور والتأمين بعد الانتصار.. البدو هم خط الدفاع الأول عن مصر وهم الذين دافعوا- ويدافعون- عن "الكنانة" بدمائهم وأبنائهم.. الحكومة مطالبة- كما نصحها الرئيس مبارك- بزيادة التوطين في سيناء وتمليك الأراضي.. الزملاء الذين يسكبون بنزيناً فوق النار بالصحف الخاصة عليهم الابتعاد عن أمن مصر القومي.. تهييج بدو سيناء ضد الدولة يخدم إسرائيل ويفرغ سيناء من ذخيرتها البشرية ويجهز أرض الفيروز للمشروع الصهيوني بتوطين الفلسطينيين في سيناء.

أهل النوبة وضعهم مختلف.. هاجروا من مساكنهم الأصلية بعد بناء السد العالي.. نسي الذين يحرضونهم أنه كان مشروعاً هاماً وحيوياً.. حمانا من الفيضان ووفر لنا الطاقة الكهربائية.. أهالي النوبة هاجروا إلي عدة محافظات واستقروا بها.. الآن جرفهم الحنين للعودة لأرض الآباء والأجداد.. طيور الظلام حلقت فوقهم أقنعتهم بتدويل قضيتهم.. نفخ الإعلام الخاص في النار ولعب دوراً أساسياً في تسييس ما حدث وفسح المجال أمام المتاجرين بقضايا الوطن.

جماعات حقوقية ومنظمات مدنية تقنع النوبيين حالياً بأن يطلبوا تعويضات والبعض الآخر يطالبهم بمحاكمة الدولة المصرية وتدويل القضية.. لحسن الحظ مازال هناك عقلاء من أهل النوبة يرفضون التدخل الخارجي وتوظيف قضيتهم ضمن أزمات الأقليات.

الإعلام المصري مطالب في المرحلة القادمة بالتصدي لمشاكل المحافظات مثل سيناء وأسوان.. لا يجب أن نستغل ضعف التنمية أو تراجع الاستثمار أو قلة المرافق ونحرض الأهالي ضد الدولة والحكومة.. فرق كبير بين مشاكل وأزمات تتعرض لها باقي المحافظات وبين دعاوي الانفصال.

إن هناك جماعات ضغط ضد مصر في أوروبا وأمريكا وللأسف فمعظمهم من أقباط المهجر.. هدفهم الرئيسي وضع مشاكل وأزمات صغيرة في مصر تحت الميكروسكوب الإعلامي الغربي.. أقباط المهجر يستعدون البرلمان الأوروبي والكونجرس الأمريكي ضدنا.. أصبحوا "خميرة عكننة" يضخمون كل مشكلة في مصر باعتبارها انتقاصاً من حقوق الأقليات.. حرية العبادات مكفولة في مصر. لكن إذا وقع حادث لقبطي تجد العالم كله يتحدث عن غياب الحرية الدينية في مصر وأنها ضد أي شخص لا يعتنق الإسلام.. وهذا ما جعل النائب الأمريكي الجمهوري فرانك وولف الذي كتبت عنه يوم 7 يناير الماضي في العدد الأسبوعي يسعي لإعداد مشروع القانون 1303 بالتنسيق مع صديقه د. سعد الدين إبراهيم وأقباط المهجر وهو ما سيسمح في حال التصديق عليه بتوقيع عقوبات ضد مصر.

من ناحية أخري هناك لجنة الحريات الدينية المنبثقة عن الكونجرس الأمريكي وهي حالياً تهدد بتحويل مصر إلي قائمة الدول ذات الاهتمام الخاص بعد أن كانت في الدول قيد المراقبة.. وإذا نجحت لجنة الحريات في ذلك فهذا معناه استهداف مصر بعقوبات أخري.

ويبقي السؤال الهام: ما الذي أثار قضية الأقليات والحريات الدينية والتمييز ضد الأقباط فجأة في مصر؟! الإجابة ببساطة أن هناك ترتيبات لإعادة بناء الشرق الأوسط بأكمله.. وليس هناك أكبر ولا أهم من مصر لتفتيتها.. لقد بدأت الخطة في العراق ثم فلسطين ولبنان وها هو السودان في سبيله للانقسام سريعاً.. فلماذا لا تسقط مصر؟!

هناك من يتربص بأي توتر.. هناك صحف وفضائيات وسياسيون وأساتذة يظهرون في "الجزيرة" يستعدون لفعل أي شئ للتأكيد علي أن مصر بها تمييز ضد الأقليات.. وعفواً فإن المصريين عاشوا من قديم الزمان بلا أدني حساسيات ولم يفكر أحد في اقتطاع جزء من الوطن وحمله علي كتفه والرحيل بعيداً.. بالتأكيد مصر ليس بها أقليات ولكن لها مشاكلها مثل كل الدول.. علينا أن نتعامل بالطريقة المتحضرة في الإعلام الصحفي والفضائي.. الأتراك المسلمون يعيشون في ألمانيا وحصلوا علي جنسيتها ولا يتحدثون علي أنهم أقلية..وكذلك العرب في فرنسا.. إحداهن وصلت إلي منصب وزيرة في حكومة ساركوزي ولا تتحدث الصحافة عن أنها "عربية" لكنهم يتحدثون عن علاقتها غير الشرعية.. المشاكل موجودة في العالم كله.. في أمريكا نفسها جرائم ضد المسلمين والبوذيين.. هناك عنف مسيحي يدعو لتخليص أمريكا من كل المهاجرين حتي يبقي الأمريكي نقياًً.. الدولة مطالبة بأن تشرح لأصحاب المشاكل سواء في سيناء أو النوبة أو غيرهما أن مصر وطن واحد. إذا ذهب كل منا بنصيب من الأرض والمياه. فإننا سنكون قد حققنا ما فشل فيه الغزاة طوال سبعة آلاف عام وهو تقسيم مصر..ساعتها سنفعلها بأيدينا فاحذروا.