fiogf49gjkf0d
أكد القاضى حسام مكاوى، الرئيس بمحكمة جنوب القاهرة، أن من حق اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات إصدار قائمة بأعضاء الحزب الوطنى المنحل، لتمنعهم من خوض الانتخابات البرلمانية دون حاجة لإصدار قانون للغدر السياسى، أو إفساد الحياة السياسية، مدللا على ذلك بما فعلته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فى تونس، التى أصدرت قائمة بالأعضاء المنتمين للحزب الذى كان يترأسه الرئيس المخلوع زين العابدين بن على، ومنعتهم من الترشح لانتخابات المجلس التأسيسى.

مكاوى الذى يعد القاضى المصرى الوحيد المشارك فى مراقبة الانتخابات التونسية، حاول من خلال حواره لـ«اليوم السابع» أن ينقل هذه التجربة لمصر، خاصة أن تونس واجهت العديد من العقبات الموجودة فى مصر حاليا، وتم التغلب عليها، وتوقع مكاوى حدوث مشاكل عدة فى مصر خلال الانتخابات، مرجعا ذلك إلى تشكيل لجنة الانتخابات القاصر على العنصر القانونى فقط، دون الاستعانة بعناصر فنية تعينها فى أداء مهامها.

وإلى نص الحوار..

> كيف جاءت مشاركتك فى مراقبة الانتخابات التونسية؟
فى الحقيقة جائتنى دعوه من أحد العاملين فى مركز كارتر لمراقبة الانتخابات، الذى أنشأه الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، وعرضوا على أن أسافر لمراقبة الانتخابات التونسية ضمن البعثة الدولية للمراقبين، بصفتى مصريا وقاضيا، وفى المرة الأولى اعتذرت لأننى كنت موجودا فى أستراليا لإلقاء محاضرات عن الإسلام والديمقراطية، ثم عرضوا علىّ مرة أخرى إلى أن وافقت على السفر مع البعثة بشروط، من ضمنها ألا يكون هناك أى إسرائيلى مشارك فى البعثة، وألا يكون هناك أى مراقب دولى حصل على تأشيرة دخول لإسرائيل.

> كيف تقيم هذه التجربة بالنسبة لك كقاض شارك من قبل فى الإشراف على الانتخابات المصرية؟
- هذه تجربة جديدة من نوعها على الأقل بالنسبة لى، فقد سبق أن شاركت بالإشراف على انتخابات 2005، لكننى لم أشارك من قبل فى المراقبة من الخارج لكى أرى ما يحدث داخل اللجان وأحلل وأقيم ما يحدث فيها، فهذه تجربة أولى من نوعها بالنسبة لى، كما أنها تجربة مفيدة فى أن تعمل بنظام مختلف عن النظام المصرى، وإنما بنظام المعايير الدولية.. معايير تتفق مع حقوق الإنسان والمرأة وعدم التمييز والتفرقة، كما استطعت من خلال هذه التجربة الاطلاع على كيفية استخدام التكنولوجيا الحديثة فى دور المراقب الدولى فى مراقبة الانتخابات.

> ما هذه المعايير؟
- من أهم المعايير فى مركز كارتر استخدام التكنولوجيا والآلات الحديثة فى المراقبة، فضلا على الاستعانة بخبرات العديد من المراقبين من دول مختلفة، فكل واحد منهم ينقل خبرته إلى جموع الحاضرين، كما أن هناك معايير تتعلق بالاهتمام بحقوق المرأة وعدم استخدام العنف فى العملية الانتخابية أو الرشوة الانتخابية، هذا بالإضافة إلى مراقبة معايير أخرى، مثل هل كان يقف رجال الشرطة والجيش بداخل أو خارج اللجان، وهل توجد دعاية انتخابية داخل مركز الاقتراع، والتحقق من عدم استخدام التليفونات المحمولة داخل اللجان، وإجراء إحصائيات تتم من داخل اللجان حول وجود المرأة سواء، كانت مرشحة أو ناخبة أو وكيلة عن حزب.

> ما الجديد الذى قدمته الهيئة العليا للانتخابات فى تونس ولم نصل له نحن حتى الآن فى مصر؟
- الهيئة على سبيل المثال وضعت قائمة بأسماء أعضاء الحزب الحاكم فى عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن على، وصدر قرار بعدم خوضهم الانتخابات، كما أن الهيئة كانت تتعامل مع منظمات المجتمع المدنى فى تونس على أنها شريك أساسى لها فى إدارة العملية الانتخابية، لدرجة أن هذه المنظمات كانت ترسل مراقبين للهيئة لكى تقوم بتدريبهم على المراقبة، كما أن الهيئة أعلنت قبل الانتخابات عن رغبتها فى وجود متطوعين، لمشاركتها فى عملية التنظيم والإدارة والتدريب والمراقبة، فتقدم الكثير من التونسيين، شبابا وكبار سن من الرجال والنساء، وكان الشرط الرئيسى لقبول المتطوعين ألا يكونوا محسوبين على حزب أو جهة.

الأمر الآخر الذى حرصت عليه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فى تونس هو إصدارها جريدة قبل الانتخابات بشهر تعبر عما يحدث بداخلها وقراراتها، باعتبارها ناطقا رسميا لها.

> هل وصلت وأنت فى تونس إلى يقين فى أن التجربة التونسية مطلوب محاكاتها فى مصر؟
- لا نريد أن نقول إن تونس هى الحل، لكن لابد أن نشير لهذه التجربة ونحترمها، وكيف انتقلوا إلى هذه المرحلة، وكيف أن الجميع احترم ما بداخل الصندوق الانتخابى، ولكن نقول إننا يمكن أن نتعلم من هذه التجربة ونزيد عليها.

> كيف رصدتم كمراقبين دوليين الانتخابات التونسية؟
- كل تقارير المراقبين الدوليين عن التزوير كانت درجتها صفر، فلم يتم رصد أى عملية تزوير فى تونس كلها، وهذا بسبب أن من يعمل بداخل اللجنة يعلمون ما يفعلونه، لكن ما كان يحدث فى انتخابات 2000، و2005 فى مصر وفى الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية كانوا يقولون لنا «اذهب أيها القاضى ومعك أربعة من الموظفين الإداريين»، دون تحديد دور أى منهم، أما فى تونس فتم التغلب على هذا الأمر بتحديد واجبات كل شخص.

وأثناء رصدنا للانتخابات كنا نراقب الدعاية الانتخابية داخل مراكز التصويت، فما شاهدناه فى الانتخابات المصرية أن من يدخل ليدلى بصوته يظل داخل مركز التصويت حتى نهاية اليوم رغم إدلائه بصوته، للترويج لمرشحيهم، وكانت الدعاية تتم أمام القاضى وداخل المركز، فهل نحن قادرون على منع هذه الأمور فى الانتخابات المقبلة، أعتقد أن الأمر يحتاج إلى الكثير من اللجنة العليا للانتخابات.

> هل ترى أن هناك خلافا بين الهيئة العليا للانتخابات فى تونس ومثيلتها فى مصر؟
- يؤخذ على الهيئة العليا للانتخابات فى تونس كما يؤخذ على اللجنة فى مصر أن اللجنة فى مصر تم اختيار قياداتها من القمة دون أن نرى القاعدة، فأين قاعدة اللجنة العليا، كما يؤخذ على تشكيل اللجنة العليا للانتخابات فى مصر من وجهة نظرى أن عضويتها قاصرة على القانونيين فقط، فيجب أن يكون بها أشخاص يفهمون فى علم الإدارة والنظم والمعلومات والدعاية.

الأمور اللوجيستية التنظيمية غير متوافرة إطلاقا فى اللجنة العليا للانتخابات فى مصر.

> كيف كان التعامل فى تونس مع الشعارات الإسلامية؟
- لم نشاهد إطلاقا استخدام أى شعارات دينية فى تونس، وحتى إن كانت هناك بعض الخروقات فى الدعاية التى تدعو للتمييز كانت اللجنة العليا للانتخابات بما لها من صلاحيات تلغى هذا الحزب، وهناك فى تونس الدعاية لها أسس وقواعد وسقف محدد فى الإنفاق، وكذلك الالتزام بعدم الدعاية فى يوم الصمت الانتخابى الذى يسبق يوم التصويت، وكانت هناك قائمة اسمها قائمة العريضة الشعبية التى حققت نجاحا انتخابيا كونهم أول مرة فى الانتخابات، لكن اللجنة العليا رصدت لهم مجموعة من المخالفات، منها الدعاية فى يوم الصمت بالإعلان فى قناة خاصة بهم، واستخدامهم لشعارات فيها تفرقة بين الأحزاب، وشعارات تفرق بين التونسيين، وتم رصد بعض حالات المال السياسى، فقامت اللجنة بعد إجراء الانتخابات بإلغاء نتيجة العريضة الشعبية.

> فى مصر مازال هناك خلاف حول الموافقة على الرقابة الدولية، فى حين كان الأمر سهل فى تونس، فكيف تقبل الشعب التونسى الرقابة الدولية؟
- رأيت فى تونس عددا كبيرا من المراقبين الدوليين، من عدة جنسيات عربية وأفريقية وأوروبية، فالاتحاد الأوروبى على سبيل المثال أرسل بعثة مراقبين تعدى عددهم خمسمائة مراقب دولى، لدرجة أننى كنت كلما أسير فى الشارع أجد مراقبا أوروبيا.

التوانسة تعاملوا مع فكرة المراقبة الدولية بأنهم لا يخبئون شيئا، وتعاملوا بمفهوم متحضر، فهم يعلمون جيدا أن هذا العالم أصبح قرية صغيرة، وأن ما يحدث عندهم معلوم فى العالم كله، ومن هذا المنطلق دعت الهيئة العليا للانتخابات هناك كل المنظمات الدولية التى تعمل فى مراقبة الانتخابات ومن ضمنها الاتحاد الاوربى لأن يذهبوا لتونس، وحلوا ضيوفا عليهم حتى يشاهدوا العرس الديمقراطى.

وفى البداية حدث بعض النقاش حول إن كان الأمر سيكون إشرافا أم رقابة، فالإشراف يعنى أنها دولة بلا سيادة وغير مستقلة، فتأتى لمن يشرف على الانتخابات ويقوم بها من البداية إلى النهاية، مثلما حدث فى استفتاء انفصال دولة جنوب السودان، أما الرقابة فتعنى أنك أمام دولة مستقلة وذات سيادة ووضعت بعض الشروط للعملية الانتخابية، وأنت تأتى بصفتك مراقبا ولا تتدخل فى عمل اللجنة، ولا تتوجه بأى أجندة سياسية لمصلحة حزب أو اتجاه، وتراقب عملية تسجيل الناخبين وطريقة عمل اللجنة، وعملية التصويت والفرز وإعلان النتيجة والطعون والرد عليها، لذلك وافقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فى تونس على المراقبة.

الأمر الآخر أن الشعب التونسى عندما وافق على الرقابة الدولية كانوا يريدون أن يرى العالم بلدهم فى أحسن صورة، كما أن الرقابة الدولية تخلق نوعا من الثقة بالنفس بين الأحزاب، لأنها تراقب الأداء الإعلامى وفرصة كل حزب، وتراقب على الأقل الشعارات الدينية، وهى ليست تدخلا فى سياسة الدولة، وإنما تساعد فى أداء عملية انتخابية شفافة.

> شاركت فى التجربة التونسية وتشاهد ما يحدث فى مصر حاليا كيف تقيم المستقبل؟
- أرى أن اللجنة العليا للانتخابات قانونية بحتة، لذلك أرى أن هناك الكثير من المشاكل ستظهر، ومنها مشاكل كارثية فى تسجيل الناخبين والبحث عن الأسماء، والسبب فى ذلك أن هذه اللجنة اعتمدت على التشكيلية القانونية التى لا تضم أى عناصر لوجيستية، فلا يكفى أن تكون قانونيا لتدير العملية الانتخابية.

كما أن اللجنة ليست مؤسسة، ولا أرى قاعدة لها، وينقصها الكثير والكثير، وأنا مازلت أتساءل لماذا لم تطلب اللجنة متطوعين لمساعدتها، ولماذا لم تستعن بمنظمات المجتمع المدنى فى التنظيم والمساعدة، ولماذا لا تقوم برصد أى انتهاكات من اليوم، خاصة أن القانون خولها صلاحيات فى منتهى القوة، ومن حقها أن تشطب مرشحين، كما أن من حق اللجنة على سبيل المثال أن تصدر قائمة بأسماء مرشحين مرفوضين من الانتخاب لأى سبب، وعلى رأسهم أعضاء الحزب الوطنى المنحل إذا رأت اللجنة عدم أحقيتهم فى الترشح دون الحاجة لقانون الغدر أو العزل، وترجع ذلك مثلا لأن الشطب بسبب أن هذا المرشح كان عضوا فى مجلس شعب ثبت تزويره، واللجنة فى المرحلة القادمة هى التى سترسم لنا طريق الديمقراطية، فهل تستطيع معاقبة من يستخدم الشعارات الدينية؟

> هل هى عاجزة أم أن إمكانياتها ضعيفة؟
- أرى أن اللجنة مسيطر عليها الفكر القانونى فقط، فنظرتها للمستقبل نظرة قاصرة.