«التوجه حاليا، أن تتحول كل المحافظات الساحلية تباعا للاعتماد على تحلية مياه البحر»، تلك الجملة قالها وزير الإسكان خلال اجتماعه مع رؤساء شركات مياه الشرب والصرف الصحي، منذ أيام، مرجعًا ذلك للزيادة السكانية المفرطة -حسب وصفه- وثبات حصة مصر من مياه النيل. فهل يتحمل سكان المحافظات الساحلية التكلفة الباهظة لتحلية المتر المكعب الواحد من المياه المالحة، لمجرد وقوعهم على الساحل، أم تتحمل الدولة فارق التكلفة، وهل هذا التوجه له أية علاقة بسد النهضة أم لا؟ وهل هناك طرق أخرى لمواجهة العجز المائي المتوقع خلال السنوات القليلة المقبلة؟ سد النهضة أكد الدكتور هاني رسلان، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية ورئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، أن هذا التوجه له علاقة وثيقة بتبعات سد النهضة المتوقعة، من انخفاض في حصة مصر من المياه، من جهة، وأزمة المياه التي تعاني منها مصر بشكل عام، وبدأت في طرق الأبواب. أوضح رسلان لـ«التحرير» أن حصة مصر من المياه ثابتة منذ أن كان عدد السكان 25 مليون نسمة فقط، وحتى الآن، وبدلاً من المطالبة بزيادة تلك الحصة، نجد السد الإثيوبي يهدد بخفضها، ويُسرّع بظهور أزمة المياه. وأشار رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، إلى أنه لا بد للحكومة أن تتحرك على محورين، أولهما مرتبط باتخاذ إجراءات داخلية محددة، مثل توفير مصادر بديلة لمياه النيل، وترشيد استهلاك المياه، عبر تغيير التركيب المحصولي واستبدال المحاصيل الشرهة للمياه بأخرى تحتاج إلى كميات أقل، وتطوير نظام الري إلى نظام الصرف المغطى والري بالتنقيط والزراعة بالصوب، والتوسع في إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والمرشحات. وثانيهما مرتبط بإجراءات خارجية، منها محاولة زيادة نصيب مصر من المياه، عبر تنفيذ مشروعات لاستقطاب الفواقد في المياه، خاصة في جنوب السودان، ورغم أن تلك الكميات قليلة إلا أنها قد تسد نسبة من العجز. لن نقدر على تكلفتها أكد الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بكلية الزراعة، جامعة القاهرة، أن «تحلية مياه البحر لا هو لينا ولا احنا أد تكاليفها»، مُشيرًا إلى أن تكلفة تحلية المتر المكعب الواحد لن تقل عن 10 جنيهات، و10 جنيهات أخرى تكلفة توصيل المياه للمنازل، بخلاف إنشاء محطات التحلية، إذن التكلفة ستزيد على 20 جنيها للمتر الواحد. أوضح نور الدين أن محطات تحلية مياه البحر، تشترط أن يكون للدولة مصدر رخيص للطاقة الكهربائية، حيث تعتبر مياه البحر موردا شحيحا ذا استهلاك عالٍ للكهرباء، حيث يستهلك تحلية متر مكعب واحد 2.5 كيلووات في الساعة من الكهرباء، بخلاف أن تكلفة دفن النفايات الناتجة عن التحلية مرتفعة جدا. أكد مصدر بوزارة الإسكان أن تكلفة تحلية متر واحد فقط من المياه المالحة 13 جنيها، بخلاف تكلفة التوصيل للمنازل، وإنشاء المحطات. سيكون ذات جدوى للمشروعات الصناعية قال الدكتور ضياء الدين القوصى، مستشار وزير الري الأسبق وخبير الموارد المائية والري، إن هذا التوجه قد يكون ذات جدوى إذا تم الاعتماد عليه في توفير المياه العذبة للأغراض والمشروعات الصناعية، التي تحقق أرباحًا، والاستهلاك المنزلي بعدد من المناطق، نظرًا لارتفاع تكلفة التحلية، مستبعدًا أن يتم استخدامها في الزراعة. أضاف القوصي أن كل المحافظات الساحلية ستعتمد على تحلية المياه، منها الدقهلية وكفر الشيخ ودمياط والبحيرة، وبورسعيد والسويس والإسماعيلية شمال وجنوب سيناء، ولكن سيتم البدء بإنشاء محطات تحلية في المناطق البعيدة عن الوادي والدلتا، في البحر الأحمر وجنوب ووسط وشمال سيناء والعلمين، كما سيتم وقف خطي المياه العذبة المغذيين للعريش وسيناء. ويرى خبير الموارد المائية والري أن من بين مهام المفاعل النووي الذي سيتم إنشاؤه في الضبعة، تحلية مياه البحر، لخدمة المناطق المحيطة به. الفقراء لن يستطيعوا تحمل تكاليف التحلية أكد الدكتور سامح العلايلي، خبير التخطيط، وعميد كلية التخطيط العمرانى بجامعة القاهرة سابقًا، أن التقنية الخاصة بتحلية مياه البحر، أن الأولوية تكمن في توفير الكميات الكبيرة المهدرة في الزراعة والصناعة، نظرًا لأن نسبة الاستهلاك المنزلي من المياه لا يزيد على 15% من إجمالي الاستهلاك، ومهما كان التوفير فيه، ستكون نسبته ضئيلة، مشددًا على ضرورة ترشيد المياه الذي أصبح أمرًا في غاية الأهمية. أشار العلايلي إلى أنه قد يتم اللجوء إلى هذا الأمر في الضرورة، وفي الأماكن التي تتميز بعائد اقتصادي وسياحي، وذلك للارتفاع الكبير في تكلفة التحلية، فالفقراء لن يستطيعوا دفع تكلفة التحلية، رغم التقدم الكبير في تقنية التحلية، وهناك دول بعينها تعتمد على المياه المُحلاة، ودول الخليج على رأسها. القابضة للمياه: نجري دراسات للتوسع في تحلية مياه البحر أكد اللواء حسن عبد الغني، المتحدث الرسمي باسم الشركة القابضة لمياه الشرب، أن كل شركات المياه بالمحافظات الساحلية، تجري دراسات كاملة الآن، حول توفير مصادر جديدة لتوفير المياه العذبة، كالمياه المُحلاة، تتضمن التكلفة واحتياجات كل محافظة من المياه. وأوضح عبد الغني أن هناك 3 شركات مياه -البحر الأحمر، مطروح، سيناء- تضم محطات تحلية قائمة بالفعل، وتسعى تلك الشركات للتوسع في قدرات تلك المحطات، وإنشاء محطات أخرى. وشدد المتحدث باسم شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالقاهرة، على أن الهدف من التوسع في تحلية المياه بالمحافظات الساحلية، هو مواكبة التوسعات العمرانية بها، حيث تعتمد تلك التوسعات فقط على تحلية المياه، وفي حالة وجود فائض في المياه المنتجة، سيتم تغطية مناطق أخرى. وتابع: «كما أنها ستكون بديلاً عن نقل المياه المرشحة من نهر النيل، للمحافظات الساحلية، نظرا لطول الرحلة التي تقطعها المياه للوصول إليها، والتي تزيد على آلاف الكيلومترات، مما يعرضها إلى الكسر، والتعدي على تلك الخطوط، عبر وصلات الخلسة». طالب لواء مهندس حسن عبد الغني، المواطنين بترشيد المياه، موضحًا أن المواطن فى مصر يستهلك 350 لترا فى اليوم، رغم أن المواطن الأمريكى يستهلك 120 لترا، والمواطن الألمانى 92 لترا فقط، مشيرًا إلى أن استهلاك أسرة متوسطة من المياه، يتجاوز 30 مترًا مكعبا من المياه شهريا، ضمن الشريحة الثالثة للاستهلاك. وأردف أن أسعار الشريحة الأولى من صفر إلى 10 أمتار بـ45 قرشا للمتر، والشريحة الثانية من 11 إلى 20 مترا بـ120 قرشا، والشريحة الثالثة من 21 إلى 30 بـ165 قرشا، والشريحة الرابعة أكثر من 40 مترا بـ225 قرشا.