جدل على جدل.. وصوت فوق صوت وفي الأخير ينقسم الناس وينقسمون.. بينما الحقيقة الوحيدة في مصر أمس تقبل القسمة على اثنين.. أولها شهداء من الجيش العظيم في سيناء بحملة التأديب المستمرة ضد المجرمين هناك.. وثانيها سيدة النضال العربي "جميلة بو حريد" في القاهرة!
شهداء الجيش أبرار عند ربهم يرزقون ومسيرة رفاقهم في تطهير الأرض مستمرة و"جميلة بوحريد" في القاهرة حدث الأحداث.. الزيارة تاريخية وتتكرر أخيرًا بعد سنوات طويلة عن القاهرة التي انطلق منها تحرير الجزائر.. من هنا كانت الرصاصة الأولى.. ومن هنا كانت الصيحة الأولى.. ومن هنا كان الفيلم الأول وربما الأخير عن "جميلة"..
واليوم تكرمها مصر.. تستقبلها أسوان لتكريمها في أفلام المرأة وكيف تغيب وهي رمز الرموز؟! وقبلها يستقبلها السيد سامح شكري وزير الخارجية، واستقبال أسطوري يليق بها في المجلس القومي للمرأة يحدث ربما لأول مرة!
"جميلة".. ابنة الجزائر الحبيبة.. التي يقاطع صوتها الهتاف الصباحي الإجباري في المدرسة الذي يقول "تحيا فرنسا.. فرنسا أمنا" لتهتف وحيدة "تحيا الجزائر.. الجزائر أمنا" فتعاقب وتطرد من المدرسة.. لكنها تكون بعدها من بين عضوات جبهة تحرير الجزائر.. مع أسماء عظيمة سطرت وصنعت تاريخ عظيم.. أحمد بن بيلا أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال.. هواري بو مدين رئيسها الثاني.. محمد بو ضياف الرئيس الشهيد.. الشاذلي بن جديد والشاب وقتها عبد العزيز بوتفليقة وغيرهم وغيرهم..
ومن القاهرة ينطلق "صوت العرب" يؤذن بالثورة في كل مكان وفي الجزائر تحديدًا.. وبين هنا وهناك تصنع المشاهد.. بين بكاء أحمد بن بيلا بين يدي عبد الناصر لعدم قدرته على التحدث بالعربية ليثبت جريمة الاستعمار الفرنسي وبين نضال جميلة وعملياتها البطولية حتى تتصدر قائمة المطلوبين والبحث عنها في كل مكان ومكافآت مالية لمن يرشد عنها.. لكن تسقطها رصاصة وتعتقلها الأيدي المجرمة.. وتعذبها تعذيبا وحشيا الأيدي الشيطانية.. وتبقى في الزنازين سنوات بين الجزائر العاصمة وبين باريس عاصمة المحتل.. وتتحول إلى أسطورة يصعب معها بقاؤها بين الجلادين لكن مصر العظيمة تنتج عنها فيلما وهي في زنزانتها! لم يكن فنانونا مشغولين فقط بقضايا مصر وإنما كل العرب!
يقولون عنها ويقولون.. إلا أن سيد القصيدة نزار قباني وحده يقول:
"أربعة للماء وسجان
ويد تنضم على القرآن
وامرأة في ضوء الصبح
تسترجع في مثل البوح
آيات مزقت الأوثان
من سورة مريم والفتح
اسم مكتوب باللهب
مغموس في جرح السحب"
ثم يقول:
"امرأة من قسطنطينة
لم تعرف شفتاها الزينة
لم تدخل حجرتها الأحلام
لم تلعب أبدًا كالأطفال
لم تغرم في عقد أو شال
لم تعرف كنساء فرنسا
أقبية اللذة في "بيغال"
ثم يقول:
"الاسم جميلة بوحيرد
تاريخ قرون بلادي
يحفظه بعدي أولادي
تاريخ امرأة من وطني
جلدت مقصلة الجلاد
امرأة دوخت الشمس
جرحت أبعاد الأبعاد
ثائرة من جبل الأطلس
يذكرها الليلك والنرجس
يذكرها زهر الكباد"
وبينما يطلب أول رائد فضاء في تاريخ البشرية الروسي "يوري جاجارين" قبل سنوات طويلة لقاء الفنانة "ماجدة" لبطولتها فيلم "جميلة بو حريد" عام 1958 نستقبل اليوم في مصر "جميلة" الحقيقية.. الأسطورة العربية.. درة تاج نضال المرأة العربية في تاريخها كله!