مساء الخميس الماضي، وقبل ساعات قليلة من الإعلان الرسمي عن "العملية الشاملة 2018"، علم المُجند "أحمد وهب الله" المُقيم بالغردقة، أنه سينضم إلى صفوف المقاتلين في سيناء. لم يساور أهله القلق، فـ "وهب الله"، قضى مُعظم خدمته في العريش ولم يُصب بخدش، وما هي إلا ساعات قليلة حتى تلقى والده مكالمة هاتفية، يعرف من خلالها نبأ استشهاد ابنه.
في الساعات الأولى من صباح أمس الجمعة، أعلن المتحدث العسكري العقيد تامر الرفاعي، عن تنفيذ القوات المسلحة لـ"العملية الشاملة 2018" بمختلف الاتجاهات الاستراتيجية في شمال ووسط سيناء ومناطق بدلتا مصر والظهير الصحراوي غرب وادي النيل، للقضاء على العناصر الإرهابية، تنفيذاً لتكليف رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة عبدالفتاح السيسي إلى القيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية.
قرابة العام ونصف العام قضاها "أحمد" ابن الـ23 ربيعًا جندياً مقاتلاً في القوات المسلحة، بإحدى الوحدات العسكرية في العريش كانت مكان خدمته، قبلها التحق بعدد من المهن البسيطة مثل المعمار لمساعدة والده على أعباء الحياة. يشير "حسن" عم الشهيد "وهب الله"، قبل أن يُكمل: "مكملش تعليمه.. واتحمل مسؤولية البيت من صُغره".
كانت آخر إجازة لـ "وهب الله" قبل 5 أيام من استشهاده، يقول "حسن" إنه كان يحصل على 10 أيام إجازة بعد كل شهر "كان بيشتغل فيهم ويساعد أبوه" ويقضي تلك الأيام مع أسرته المكونة من والده الذي يعمل "سائق" ووالدته "ربة منزل"، بجانب 3 أشقاء وبنتين ترتيبه بينهم الثاني. بنبرة حزينة يضيف أنهم كانوا يعدون الأيام حتى ينتهي من فترة خدمته العسكرية المقررة بـ3 سنوات "غلابة وحالتهم على قدهم، لكن نصيبه.. ربنا يصبر أهله".
"كان محترم وكويس أوي مع أبوه وأمه، ودايمًا مبتسم وبيضحك"، صفات يذكرها "حسن" عن الشهيد ابن قرية الطويرات بمحافظة قنا، الذي انتقل مع أسرته قبل عدة سنوات إلى الغردقة بحثًا عن الرزق واستقروا في منزل متواضع بمنطقة نجع العرب "وكانوا بييجوا بيتهم في قنا في الأعياد والمناسبات".
حتى الآن لم يستوعب "مصطفى" صديق وقريب "وهب الله" الفاجعة التي ألمت به منذ معرفته بنأ استشهاده، يقول إنه تذكر وقتها إحدى الروايات التي حكاها له صديقه وقت إجازته قبل حوالي 3 أشهر عندما أخبره بهجوم شنته عناصر تكفيرية كانت تستقل دراجات بخارية على كتيبته في العريش، وأنهم ظلوا يطلقون وابلاً كثيفًا من الرصاص بهدف إعداد كمين لهم بعد دفع القوات إلى الخروج لملاحقتهم "على أساس يطلعوا وراهم بعربياتهم ودباباتهم، فيعملولهم كمين ويحطوا ألغام في الرمل ويفجروا الجنود".
ورغم أن ذلك الهجوم تكرر أكثر من مرة في الساعات المتأخرة من الليل، وفق ما أخبر به الشهيد "أحمد" صديقه، إلا أن الجنود اتخذوا حذرهم من خداع الإرهابيين بعدما فطنت القيادات الأمنية لخطتهم، يقول مصطفى إن صديقه منذ ذلك الوقت بدأ يحدثه عن شعوره بأنه سيستشهد "قالي أنا سايبها على الله.. كان بيحكي وهو متأثر أوي".
نزل خبر استشهاد "أحمد" على والديه كالطامة الكبرى، خارت قواهما، لم يصدقا أنهما فقدا سند الأسرة "حالتهم صعبة جداً"، يتذكر "حسن" قبل أن يستطرد بقوله "كان ابن موت وجسمه حلو ومفرود".
اتصال هاتفي مساء الثلاثاء الماضي، كانت هي آخر مرة يتحدث فيها "محمد سالم" إلى صديقه المقرب قبل استشهاده، يقول إنه أخبره بإبلاغهم بالخروج في عملية كبيرة بسيناء "قالي طالعين في مأمورية بقوات ومدرعات".
ويضيف "سالم" أنه طلب منه إرسال مبلغ مالي له عبر البريد "عشان يبقوا مصاريف معاه في الجيش" ثم تواعدا على اللقاء في إجازته المقبلة كعادتهم، غير أن حبل الأمنيات قُطع، مساء الخميس، حينما تلقى نبأ استشهاده، واعترت قلبه صدمة فراق رفيق عمره.
في جنازة عسكرية حضرها محافظ البحر الأحمر وعدد من القيادات الأمنية بالمحافظة، حُمل جثمان شهيد "العملية 2018" ملفوفًا بعلم مصر بعد الصلاة عليه في مسجد عبد المنعم رياض بالغردقة، بحسب "حسن"، يقول إن أهله رافقوه إلى محافظة قنا حيث وارى جثمانه الثرى في مقابر العائلة بقرية الطويرات في الرابعة عصر الجمعة.. يؤمن العم أن سيرة فقيدهم الطيبة وتضحيته من أجلهم ستظل خالدة في نفوس أهله "أحمد شال هم العيشة من بدري مع أبوه".