رغم دفن جثمانه في تراب بلدته "القرام" التابعة لمركز أولاد صقر بمحافظة الشرقية، بعدما عاني مرارة الغربة وقسوة الموت بعيدًا عن الوطن، إلا أن قصة "علي السيد" العامل المصري المُعتدى عليه بالأردن لا تزال في فصولها بقية حتى بعد وفاته.
"طالما معاك شهادة ميلاد أردنية ليه مبتطلعش باسبور أردني وساعاتها تخرج وتدخل من البلد براحتك".. بهذه الكلمات حاولت الدكتورة نبيلة مكرم عبيد وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، تلخيص مخرج أزمة الإقامة بالنسبة لـ"محمد" نجل العامل المتوفى، في رسالة مُسجلة، حينما طلب التدخل لحل مشكلته في استخراج 5 تصاريح لأسرته ونجل عمه بمغادرة الأردن لدفن جثمان والده.
"مش عارف كان المفروض أتنازل عن الجنسية علشان أبقى أخرج وأدخل براحتي ولا إيه".. قالها محمد لـ"مصراوي" مؤكدًا أنه غادر الأراضي الأردنية برفقة جثمان والده دون استخراج جواز سفر أردني كما كانت تقترح الوزيرة.
مأساة أسرة العامل المصري لم تقف عند دفن الجثمان، بل امتدت لخوف أسرته من مواقف لم تحسمها الوزارة حتى الآن، فالحكومة الأردنية لم تسدد حتى الآن تكاليف علاج العامل في مستشفى "جبل الزيتون" حسب قول محمد لـ" مصراوي".
وأكدت السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة، في وقت سابق، متابعتها لحادثة العامل "علي السيد"، مشيرة إلى أن الحكومة الأردنية تحملت نفقة علاجه بمستشفى "جبل الزيتون"، بعد التواصل مع السفير خالد أنيس، القائم بأعمال السفارة المصرية في الأردن.
وتابع نجل العامل المتوفي: "قبل وفاة والدي بـ 3 أيام زاره وزير الصحة الأردني، وعرض نقله لمستشفى الزرقاء الحكومي مع تحمل علاجه هناك بالمجان، وهو ما تم بعد أن بعد أن وقعت والدتي على تعهد بسداد تكلفة المستشفي الخاص".
وتوالت المفاجآت على أسرة العامل؛ إذ اكتشفت زوجته وهى تستبدل ملابسه في اليوم السابق لنقله من "جبل الزيتون" أن إبهامه يحمل حبرًا، يؤكد أن هناك من حصل على بصمته، إلا أن رد إدارة المستشفى جاء باردًا: "يمكن يكون حد من الشرطة"، وحينما ذهب محمد إلى الشرطة لسؤالهم كان الرد قاطعًا بالنفي لتبقى البصمة مجهولة ومصدرها مُعلقًا في انتظار وقوع مصيبة أخرى.
وبعد ساعات قليلة من دخوله مستشفى "الزرقاء" الحكومي، ظهرت أعراض الإهمال على جسد العامل المصري المُعتدى عليه؛ إذ بدأت أطرافه في "التورم والإحمرار" وفق ما يؤكده نجله: "لقيت أطراف والدي بتتضخم وتحمر بزيادة وحرارته عليت جدًا، ولما سألت الأطباء هناك قالوا لي إن المحاليل اللي عندهم فيها أملاح بعكس اللي كان بياخدها في جبل الزيتون، وأكدوا إن حرارته هتنزل وهما هيتصرفوا، وللأسف دا محصلش لغاية ما والدي توفى".
وناشد نجل المتوفى، السلطات المصرية، بالتدخل لسداد مديونية والده بالمستشفى الخاص: "والدتي بمجرد ما نرجع الأردن لو مش دفعت الفلوس هتتحبس خاصة أنها وقعت على أوراق تفيد بسداد 4 آلاف و500 دينار تكلفة إقامته بالمستشفى في أقرب فرصة، كما طالب مساعدته في إنهاء أوراق إعفائه من التجنيد؛ نظرًا لأنه كبير عائلته بعد وفاة والده.
من ناحية أخرى، قال "عصام" شقيق العامل "علي السيد" لـ"مصراوي" إن المعتدي على أخيه لم يكن أردني الجنسية كما أشارت وسائل الإعلام، وإنما فلسطيني يعمل تاجر خضروات، يمتلك المنزل القاطن به شقيقه، موضحًا: "صاحب البيت ده كان مستلف من أخويا ألفين دينار من فترة ومرجعهمش، ولما أخويا سأله عليهم أكتر من مرة فضل يماطل، لحد ما أخويا راح له عشان يرجع حقه".
وأضاف عصام لـ"مصراوي": "في لحظة زهق ويأس من استرداد ماله أخويا قال لصاحب البيت أنا عارف هاخد حقي إزاي.. عمره ما كان هيعمل حاجة والله، بس الجملة دي كانت كفيلة بإن صاحب البيت يخطط للتربص بأخويا هو و5 من صحابه، ويومها أول ما شافوه نزلوا فيه ضرب بحديدة على راسه لغاية ما وقع غرقان في دمه".
أصيب "علي"، وفق ما يوضح أخيه، بكسر في الجمجمة أدى إلى نزيف داخلي بالمخ، واحتجز بغرفة العناية المركزة في مستشفى "جبل الزيتون" بمحافظة الزرقاء، بينما أشار الأطباء المعالجين إلى حالته الصحية غير المستقرة، وهو ما علق عليه شقيقه بالقول: "بنجهز الترب بتاعتنا علشان ندفن أخويا فيها إذا توفى لا قدر الله.. الدكاترة قالوا إنه تحت الملاحظة لمدة 70 ساعة وممكن حالته تتحسن أو يموت.. حياته دلوقتي في يد ربنا".
وناشد شقيق العامل المتوفي بالأردن السفارة المصرية في الأردن متابعة التحقيقات في الواقعة والتأكد من أن الجناة سينالون عقابهم جزاء هذا الاعتداء.
"علي السيد" يعمل مبلطًا في دولة الأردن منذ قرابة 30 عامًا وله من الأبناء ثلاثة: "محمد" 21 عامًا، و"أحمد" 18 عامًا، و"محمود" 16 عامًا".
ولم تكن واقعة الاعتداء على العامل "علي السيد" الأولى خلال هذا الشهر من العام، إذ سجلت واقعتين مشابهتين إحداهما كانت في الكويت، وضحيتها "وحيد محمود" الذي تعرض لاعتداء من قبل كويتي في مقر عمله نتيجة الخلاف حول إصلاح دراجة بخارية يمتلكها الكويتي.
والثانية كانت في المملكة العربية السعودية منتصف الشهر الجاري حينما تعرّض أحد المواطنين المصريين إلى حادث اعتداء وطعن من 4 شباب سعوديين في الرياض.