توقّعت صحيفة “فزجلياد” الروسية احتمالية اندلاع حرب جديدة في أفريقيا، بين مصر وإثيوبيا، على خلفية تعثّر المفاوضات بين الجانبين حول سدّ النهضة المُثير للجدل.

وكتبت الصحيفة، في تقرير عبر موقعها الإلكتروني، يوم الخميس تقول إن “مصر على شفا حرب مع إثيوبيا، انطلاقًا من رغبة الأخيرة في بناء سد كبير ومحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية على نهر النيل.”

وقالت إنه “بالنسبة لمصر، فإن تنفيذ هذا المشروع يُعد- بدون مبالغة- مسألة حياة أو موت. أما إثيوبيا فتعتبره فكرة وطنية جديدة”.

وانطلاقًا من الخلاف المصري الإثيوبي حول السدّ، تتساءل الصحيفة الروسية “هل تظهر بؤر ساخنة جديدة على خريطة العالم؟”.

وشهد الأسبوع الماضي مُباحثات بين وزير الخارجية سامح شكري ونظيره الإثيوبي ورقينه جبيو، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في محاولة لكسر الجمود الحالي في المفاوضات بعد تعثّرها الشهر الماضي والتي وصلت فيما يبدو إلى “طريقٍ مسدود”، بحسب الصحيفة.

واجتمع مندوبون من مصر والسودان وإثيوبيا في القاهرة، 12 نوفمبر الماضي، للموافقة على دراسة أعدتها شركة فرنسية لتقييم الآثار البيئية والاقتصادية للسد. لكن المحادثات تعثرت بعد فشلهم في الاتفاق على تقرير أولي وألقى كل طرف باللوم على الآخر في تعطيل إحراز تقدم، حسبما أعلن وزير الموارد المائية والري الدكتور محمد عبدالعاطي.

وأشارت “فزجلياد” إلى أن بعض القوى السياسية في مصر تدعم -علنًا- البدء في تنفيذ عمليات عسكرية ضد إثيوبيا، لاسيّما وأن تنفيذ المشروع يُهدد بترك مصر بدون موارد مائية وبالتالي طاقة.

تخشى مصر من أن بناء السد وما يتبعه من خطوة تخزين للمياه، سيؤدي إلى تأثيرات سلبية على حصتها من مياه النيل وبالتالي تدمير مساحات من الأراضي الزراعية، فضلا عن عدم توفير مياه شرب كافية لسكانها الذين تجاوزوا 100 مليون، ويعانون بالفعل من نقص في الموارد المائية.

يوفر نهر النيل ما يزيد عن 90 في المئة من احتياجات مصر المائية. وتستحوذ مصر على نصيب الأسد من هذه المياه، أي ما يزيد عن 55 مليار من نحو 88 مليار متر مكعب، إجمالي المياه التي تتدفق عبر النهر سنوياً.

ويتزايد قلق القاهرة في ظل إصرار أديس أبابا على الاستمرار في أعمال بناء السد دون انتظار نتائج البحوث الفنية المتعلقة بتأثيراته على دولتي المصب (مصر والسودان).

في المقابل، تقول إثيوبيا إن السد ضرورة لتطوير البلاد، وتؤكد أن له منافع لجميع الدول بما فيها دولتي المصبّ.

ويبدو أن الموقف السوداني أقرب إلى إثيوبيا، إذ عبّرت الخرطوم أكثر من مرة عن اعتقادها بأن سد النهضة سيكون له فوائد على دولتي المصب، بخلاف ما تخشاه القاهرة.

وذكرت الصحيفة أن سد النهضة الإثيوبي – (الذي يُعرف إيجازًا في إثيوبيا باسم “هيديس”- ويعني بالأمهرية “النهضة”، وفي الصحافة الدولية يُشار إليه بـ”مشروع إكس”)- سيكون أكبر وأقوى من سدّ سايانو – شوشنسكايا الشاهق، والذي يُعد أضخم سد هيدروكهربائي في روسيا.

وقُدّرت التكلفة الإجمالية لسدّ النهضة بحوالي 5 مليارات دولار أمريكي، (ما يُعادل 10 مليارات بر إثيوبي)- وهو ما يقرُب من 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

في الوقت نفسه، لفتت الصحيفة إلى أن العديد من الساسة المصريين أطلقوا دعوات علنية، في عام 2013، إلى “الإعلان الفوري عن حرب مع إثيوبيا”.

وبينما تنظر إثيوبيا إلى السدّ باعتباره “أحد أضخم المشروعات في العالم بأسره، ومصدر فخرها الوطني”، وبعد أن أصبح خزّان السد جاهزًا بنسبة 50 بالمئة، ترى الصحيفة أنه “فات الأوان على ممارسة ضغوط دبلوماسية على أديس أبابا، التي لن تتخلى عن المشروع الذي تحوّل إلى فكرة وطنية”.

وفي خِضم ذلك، تتزايد مشاعر القلق والرُعب في القاهرة بشكل مُطرد لسببين: أولهما، الخوف من حدوث انخفاض حاد في تدفق النيل بعد ملء خزان السدّ. والثاني، تركيز المياه في الخزان ما سوف يؤدي إلى انخفاضها بسبب الأبخرة.

وبالتوازي، تتجاهل أديس أبابا الاتفاقات الدولية وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن استخدام الموارد المائية.

ومع ذلك، لا تبدو القاهرة أميل إلى الحلّ العسكري بعد، ما يدفع إلى مزيد من الضبابية وعدم الوضوح بشأن ما يُمكن أن تؤول إليه الأحداث.

تقول الصحيفة: “صحيح أن مقارنة القدرات العسكرية بين البلدين مثيرة للسخرية (فالكفة تميل لصالح مصر). لكن ما هو الخيار المُقترح؟ احتلال مٌقاطعة بينيشانجول-جوموز الإثيوبية؟ أم وضع حكومة صورية في أديس أبابا؟ كلا الخيارين بمثابة صداع، ناهيك بأن الاشتباك مع إثيوبيا، كبلد مسيحي، من شأنه أن يتحوّل إلى مشكلة خطيرة أخرى بالنسبة لمصر”.

ومع ذلك، تُرجّح الصحيفة أن تظهر سلسلة من النزاعات الحدودية الصغيرة، والتي يُمكن أن تزعزع استقرار الوضع في المنطقة التي يجري فيها مشروع بناء السد، ما قد يؤثر على المشاركين في المشروع، بمن فيهم الصين.

وأضافت أن “احتمالية اندلاع مواجهة مطوّلة (على خِلاف مائي) باتت الآن، للأسف، حقيقية للغاية”.

الأمر الآخر، بحسب الصحيفة، هو أنه يبدو جليًا أن مصر ليست مستعدة لمثل هذا التطور من الأحداث، كما أن إثيوبيا ليست بالبلد الذي يُمكن سحقه بسهولة؛ الحليف الوحيد للقاهرة في هذا الشأن، طرف لا يُمكن التعويل عليه، إريتريا، أفقر بلد في المنطقة وعدو إثيوبيا اللدود على مرّ التاريخ.

وذيّلت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى اقتراح مصر مشاركة البنك الدولي كطرف فني له رأي محايد وفاصل في أعمال اللجنة الفنية الثلاثية لسد النهضة، خلال زيارة وزير خارجيتها إلى العاصمة أديس أبابا. وقالت “لم تنتهِ بعد مهمة الوزير شكري، ومن المؤكد أنها ستؤجّل إلى العام المقبل”.