لم يتبق سوى ذلك الكفن المخضب بالدماء، وأشلاء وكرسيه وعكازه، وصناديق الموتى، داخل ذلك الدكان الذي سقط فيه عم "وديع القس مينا"، العامل في محل صناديق الموتى المواجه لبوابة كنيسة "ما رمينا العجايبي"، في حلوان، التي تعرضت لهجوم إرهابي، صباح اليوم، استشهد فيه هو وزوجته، فيما أصيبت ابنتاه.
"عم وديع" العجوز الذي بلغ العقد السابع من عمره، مصاب بشلل نصفي، أفقده القدرة على الحركة ونطق الكلمات بشكل صحيح، كان يجلس إلى جواره زوجته "أيفيلين" التي جاءت لزيارته داخل ذلك الحانوت لبيع صناديق الموتى، بينما كانت ابنتيهما في حضور القداس داخل الكنيسة، قبل دقائق من سماعه أصوات الطلقات المدوية في محيط الكنيسة.
وقف "عم وديع" متكأ على عجازه، يتحرك على وهن نحو بوابة المحل في خوف بعدما سمع دوي الطلقات، ولم يكمله خطوته الأولى حتى باغته دفعة من الطلقات خرجت من السلاح الآلي لتي يحملها الإرهابي الذي لم يرحم شيخوخته، بل بعدما أجهز عليه صوب فوهة بندقيته نحو زوجته التي أخذ في النحيب إلى جواره جثمان زوجها، لتلقى هي الأخرى مصرعها، حسب رواية "ميشيل منير" صاحب المحل.
لم يكن عم وديع الذي يعول ثلاث فتيات وحده من تلك العائلة المكلومة بل سقطت أيضا ابنتيه مصابتين، خلال الهجوم على الكنيسة حسبما يقول "صاحب المحل"، وعدد من الشمامسة الذين اصطفوا مشكلين سياج بشري يحيط بالكنيسة من كل جانب لإبعاد الأغراب.
قبل بضعة شهور طلبه الأب "منير" للحضور إلى الكنيسة وطلب منه أن يبحث للرجل العاجز، الذي يسكن في أحد الشوارع المتاخمة للكنيسة، عن فرصة عمل في محله، حيث أصيب بجلطة أفقدته عمله في أحد قطاعات الحكومة، فأحيل إلى التقاعد فلا يكفي الراتب طعام يومه هو وبناته، فوافق الرجل على الفور، ليعمل في هذا المحل الصغير لمدة 6 أشهر قبل أن تطاله رصاصات الإرهاب.
"منير" بوجهه الواجم وقف إلى جواره أشلاء "عم وديع"، يقول إن مهمة عم وديع تتلخص في جلوسه بشكل دائم على هذا المكتب الخشبي المتواضع المستقر في مدخل المحل الصغير، الممهور بلافته "العجايبي لبيع صناديق الموتى"، يسجل بيده السليمة طلبات صناديق الموتى من أسر المتوفين، ويهاتف "منير" أو شريكه في المحل ليتحدث بصوته المتهدج وكلمات ينطقها بصعوبة بالغة لا تكتمل أحيانا، ويخبره بضرورة إرسال من يقوى على حمل الصناديق ووجود من يستطيع استكمال عملية البيع.
أخذ "منير" يحاول إخبار قوات الأمن التي طالبته بالرحيل أن هناك أشلاء داخل المحل يجب معايناتها حيث كان كل همهم منصب على فحص الكنيسة وما حدث على أبوابها، ويقول لـ"الوطن" إن الإرهابي بعدما قتل أمين الشرطة والضابط، لم يستطيع دخول الكنيسة فالتفت إلى المحل فوجد اللافت التي تحمل نفس اسم الكنيسة فوجه رصاصته نحو "عم وديع" وزوجته.
يتحرك "منير" بين صناديق المتوفىن، ويشير إلى الكفن المغرق في الدماء، وطلقات الرصاص التي أصابت لوحة تحمل صورة الصليب، ورصاصة أخرى خرجت من جسد "عم وديع" واستقرت داخل أحد صناديق الموتى، وأخرى سكنت الحائط.