في حوالي العاشرة والنصف صباحًا، كان شارع أحمد رشدي هادئًا، ساكنًا، لا يمر به إلا القليل من الناس، حتى دخل إليه مجهول، يستقل دراجة بخارية، ركنها ملاصقة للرصيف، قبل أن يفتح صندوقًا يحمل داخله سلاح آلي، التقطه، وفتح سترته التي تُظهر عدد من خزائن الطلقات، بينما توجه صوب كنيسة مارمينا بحلوان، لينفذ فعلته.
من ذلك الشارع، بدأ المسلح الذي قام بالهجوم على كنيسة حلوان مساراته في ترويع الآمنيين في المنطقة، حسبما يقول محمد مجدي، الذي يسكن شارع أحمد رشدي، المحتضن لجنبات الكنيسة.
راح المسلح نحو كشك خشبي يسكنه الأمن، وزع طلقاته على شرطي يحرس الكنيسة، أودت بحياته، أكمل مشوار القتل في شارع مصطفى فهمي، صوّب سلاحه نحو رجال الأمن، لكن لم يفته أن يُذيق عائلة بأكملها طعم الموت، ضرب الرصاص ثلاثة من أفرادها تواجدوا في محل يقابل الكنيسة ويبيع "توابيت الموتى".
في ذاك الوقت؛ كان مجدي في الشارع يحاول معرفة ما يحدث، هاله الموت، لكن لم يملك وأهل المكان غير الاختباء من القتل، في حين حاول رجل أمن بزي مدني منع المسلح من إسالة المزيد من الدماء، لكنه لم ينجح.
مات فرد أمن الكنيسة. فلت المسلح من محاولات أفراد الأمن، توجه نحو بوابة الكنيسة، حاول أن يقتحمها، منعه من في الداخل، فوزع طلقاته على الحديد، أثقبت الطلقات بوابة الكنيسة، فيما يزال مجدي مختبئًا، حزينًا، خائفًا.
بدا أن المسلح كان يتنقل بأريحية، سار في طريق مصطفى فهمي حيث يتواجد مبنى "مارمينا". على ناصية الكنيسة، في الشارع الغربي، كانت جمالات ماهر تتقدم ببطء نحو الكنيسة رفقة والدتها وأقاربها من كبار السن (الخالة أم رزق وعم عوض).
اعتادت السيدة الخمسينية أن تصحبهم كل جمعة في الميعاد ذاته، فما أن مرت سيارة تابعة للمباحث حتى انطلق الرصاص متطايرًا، تبادل المسلح اطلاق النار مع قوات الأمن، ومعه بلغت القلوب الحناجر حسبما تحكي السيدة.
"والدتي بقيت تزحف على الأرض من الخوف وأنا كنت تقريبا شيلاها.. بقينا نخبط في بعض واحنا بنجري".. بأنفاس متقطعة تستعيد جمالات المشهد، بينما لم تجد ملاذاً سوى مكتبة "جورج" التي وقف أمامها مجدي عادل محاولًا استيعاب ما يحدث "قلت له احمينا".
وقد كان. أدخل عادل السيدات والرجل المسن والطفل المصاحب لهم -12 عامًا- داخل المكتبة وأغلق عليهم الباب الحديدي، فيما ظل هو بالخارج متماسكًا "هخاف من إيه، لو ربنا قدر لي أموت هموت"، كذلك يبرر الرجل الخمسيني عدم احتمائه أو فراره في ذلك الموقف العصيب.
لحظتها، مر القاتل أمام عادل، لا يعلم الرجل كيف جُعل سدًا بينه وبين حامل السلاح الآلي المتطاير الرصاص منه بعشوائية، فقط يدرك جيدًا أن ملامحه انطبعت في ذاكرته أبد الدهر "شاب في التلاتينات لونه قمحي بدقن واصلع شوية، كان لابس بنطلون جينز وقميص بيج وعليه ستره واقية للرصاص ولابس شنطة زرقة".
قرابة ربع الساعة ظل المُسلح في الشارع الغربي، تتبعه النظرات بحذر من الشرفات، ومن استطاعت من الأيدي قذفته بما لديها "كان في ناس بتحدف طوب من العمارة دي" يقول صاحب مكتبة جورج، مشيراً إلى عقار تحت "التشطيب".
كشخص موتور غير مُبالٍ، يحمل سلاحاً آلياً، تنفذ ذخيرته، يُلقيها، ثم يُعمرها ثم ما يلبث أن يُكمل، وفق روايات الأهالي، حتى وصل إلى شارع أحمد بدوي المتفرع من الشارع الغربي في نقطة وسط، بينما نصب له الأمن ما وصف شهود العيان بـ"الكمين".
كان القاتل يسير في هدوء، لكن لحظتها وصل عدد من قوات الأمن، هاجموه، أمطروه بالرصاص، رد عليهم بالآلي، إلى أن أصابت قدمه رصاصة، أعجزته، أنحنى على الأرض، في الوقت الذي انقض عليه "عم صلاح".
وقتها كان الرجل الخمسيني وراء كشك خشبي، ينتظر اللحظة الحاسمة، اتجه نحوه، قفز فوقه، أمسك خزينة سلاحه، حتى خرج أهالي المنطقة من مخابئهم صوبه، وانهالوا عليه بالضرب، قبل أن تتسلمه قوات الشرطة.
وأسفر الهجوم المسلح، الذي وقع ظهر اليوم علىبحلوان، عن سقوط 8 ضحايا من الأقباط، وأمين شرطة، بحسب البيانات الرسمية. 25 عاماً، يسكن عادل الشارع الغربي في حلوان، للمرة الأولى يشهد هذا الموقف، يمتن أنه مرّ بذلك المُصاب "النهاردة كان احتفال راس السنة للأطفال واحتفال مدارس الأحد يعني لو دخل الكنيسة كانت لا قدر الله بقت مجزرة".
فيما تتحامل "جمالات" على قدمها الملتوية إثر الركض هلعًا بينما تقول "والله اللي ماتوا ارتاحوا لكن إحنا عمرنا ما هننسى اليوم ده". مع حلول ساعات المغرب، كان محيط الكنيسة ممتلئ بالناس، والصحفيين ووسائل الإعلام، أحكم الأمن حصاره على المكان، منع الجميع من الاقتراب نحو بوابة الكنيسة، فيما توافد أهالي الضحايا إليها، حتى يثبتوا قوتهم أمام مريدي القتل. عقب فض الواقعة.
كان للأطفال وجودًا بارزًا في المسارات الثلاث للمسلح. ظلوا يجوبون الطرقات. منهم من شاهد بعينه ما حدث، ومن يلتقط التفاصيل بشغف طفولي واضح يصل لحد السخرية. يتبادلون مع بعضهم البعض الحكاية كأنما فيلمًا سينمائيًا شاهدوه لتوهم.