سؤال مطروح، ماذا لو لم يعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية 2018، معلنا ذلك صراحة فى خطاب له يوجهه للأمة يقول فيه: «لن أخوض الانتخابات المقبلة، وسأكتفى بالسنوات الأربع التى جلست فيها على كرسى حكم مصر..؟!».

ماذا سيكون رد فعل المصريين الشرفاء، من الغالبية الكاسحة، بعيدا عن رأى الجماعات والحركات وأدعياء الثورية المتآمرين؟! وهل سيخرجون فى الشوارع يطالبونه بالترشح؟!

الإجابة على هذه الأسئلة بشكل حاسم، لا يحتاج لجهد كبير من البحث والتنقيب فى الذاكرة، لمعظم المصريين، لأنها مستوحاة من الواقع على الأرض، وليس من الخطابات والشعارات النظرية الرنانة.
لو لم يترشح السيسى لخوض الانتخابات المقبلة، فمن الذى سيستكمل قيادة المعركتين الأهم فى تاريخ مصر عبر عصوره المختلفة،  المعركة الأولى، وهى معركة بناء الدولة، والدفع بها إلى مصاف الدول الراسخة والمؤثرة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، فقبل عهد السيسى، شيئا، وبعد توليه مقاليد الأمور شيئا مغاير تماما، والمعركة الثانية تطهير البلاد من الإرهاب، وحماية أمنه القومى، وسط حراك إقليمى كارثى.

مصر قبل السيسى، كانت فى مصاف الدول العبثية، الفوضوية، التى خرجت من خانة مسمى «الدولة» إلى خانة «القبيلة والعشيرة» والعودة لعصور الظلام، وكانت تقف على حافة الانهيار، ولا يوجد مؤسسة واحدة من مؤسساتها تقف على أرض صلبة، ودب فيها روح الفوضى والانفلات الأمنى والأخلاقى، وأصبح كل شىء مباح، بداية من تمدد وانتشار الجماعات الإرهابية وسيطرتهم على الأوضاع فى سيناء، ومرورا بالسرقات والاختطاف وعمليات السطو المسلح، والمسيرات المعيقة للحركة فى الشوارع، وقطع الطرق والسكك الحديدية، وابتزاز العمال لأصحاب العمل، وانهيار فى كل المرافق الحيوية، واختفاء للبنزين والسولار، وانقطاع دائم للكهرباء، واختفاء للسلع الاستراتيجية، ونزيف مخيف للاحتياطى النقدى، وانهيار كامل للاقتصاد!!

وبعد تولى السيسى، وإطلاعه على كل الملفات، عن قرب، اصطدم بوهم دولة المؤسسات، وأن الدولة كانت تدار بقوة الدفع الذاتى، وبطريقة «عصا سليمان»، وهى العصا التى اتكأ عليها سليمان وهو ميت، وذكر بعضُ المفسرين أن سليمانَ ظل متكأ على عصاه إلى أن جاءت دابة الأرض فأكلت منها فخر على الأرضِ، وعلم بعدها الجنُ خبره. لذلك قرر السيسى استنهاض الهمم، وإعادة بناء الدولة، فكانت خطته بحل جميع المشاكل المزمنة، وفى زمن قياسى، بدءا من الكهرباء، واستطاع القضاء عليها فيما يشبه الإعجاز وليس الإنجاز، ومرورا بشق ومد الطرق وإقامة الكبارى وحفر الأنفاق، لتوسيع شرايين مصر المسدودة والمُشكلة لمخاطر جسيمة على حياة الوطن، ولأول مرة ربط سيناء بالدلتا عبر 4 أنفاق، وجار العمل فى أربعة أخرى، وهو المشروع الأهم والأكبر، بجانب إقامة الوحدات السكنية فى معظم المحافظات المصرية، وتأسيس العاصمة الإدارية الجديدة، والتى تعد 12 ضعف منهاتن، وضعف مساحة دولة سنغافورة، تستوعب 5 ملايين مواطن، وهو ما يعتبر دولة حديثة وعصرية وليست عاصمة إدارية فحسب، لتواكب التطور المذهل فى العالم، ثم والأهم أعاد الاحتياطى النقدى إلى الأرقام التى كانت عليه قبل سرطان 25 يناير، علاوة على قرار اقتحام مجال البحث والتنقيب عن الغاز والبترول والذهب، وكانت نتائجه مبهرة وضعت مصر أيضا بين الكبار فى إنتاج الغاز.

كما بدأ فى وضع خطة ضبط الدعم، وإزالة كل التشوهات بمشرط جراح ماهر، فاختفت طوابير العيش من أمام المخابز، ووصل الدعم إلى مستحقيه، ثم قرر التصدى لغول «فيروس الكبد الوبائى» الذى كان ينهش فى أكباد المصريين، وكانت تحتل المراكز الأولى كأكثر الدول الموبوءة بالمرض، ونجح بشكل مبهر فى القضاء على المرض، وتصبح تجربة مصر فى القضاء على المرض، فريدة، ومثال يحتذى به، وتبحث ما يقرب من 9 دول الاستفادة من التجربة وتطبيقها.  كما أعاد عبدالفتاح السيسى، الأمن والأمان والانضباط للشارع، وترسيخ هيبة الدولة من جديد، والقضاء على الدمامل التى انتشرت فى جسد الدولة، وأعاد كبرياء مصر إقليميا ودوليا بعد غياب استمر ثلاث سنوات كاملة، وعادت لتكون رقما صحيحا ومؤثرا فى المعادلة السياسية الدولية.

أما المعركة الثانية وهى المعركة الأخطر، فتتمثل فى مواجهة الإرهاب وتطهير سيناء من العناصر المتطرفة التى لعب الإخوان فيها دورا بارزا لاستقدامهم من كل حدب وصوب، واستطاع الجيش المصرى، ومن خلفه الشرطة تسجيل انتصارات مهمة، منها تطهير جبل الحلال، ونشر الارتكازات الأمنية على معظم الطرق بالمدن والقرى، ونشر الجيش وحداته العسكرية فى مناطق لم يدخلها منذ اتفاقية كامب ديفيد، وهو انتصار كبير ومهم وجوهرى، بجانب تكليفه مؤخرا لرئيس الأركان ووزير الداخلية بضرورة تطهير سيناء من الإرهاب خلال ثلاثة أشهر.

ثم والأهم والأبرز، إعادة تأهيل الجيش المصرى، تدريبا وتسليحا، واستطاع أن يخرج أصابع مصر من تحت أنياب وضروس الولايات المتحدة الأمريكية، بتعدد مصادر شراء الأسلحة من روسيا وفرنسا وألمانيا والصين، وغيرها من الدول الكبرى، ليقضى على تحكم واشنطن فى ابتزاز مصر سياسيا مقابل تسليح جيشها ليقفز إلى المركز العاشر، ويصبح من العشرة الكبار فى العالم!!

الرئيس عبد الفتاح السيسى، رجل غلب مصالح الوطن فوق مصالحه الشخصية، وضحى بنصف ثروته، ونصف راتبه متبرعا بهما لبلده، والأهم، ضحى بشعبيته الجارفة، وتحمل تلقى رصاص الغضب والانتقادات فى صدره بكل شجاعة، عندما اتخذ قرارات ثورية، فشل فى اتخاذها كل حكام مصر الذين سبقوه، متسائلا، ما فائدة الشعبية فى وطن ينهار؟ فشعبية أقل فى وطن قوى، أفضل مليون مرة، من شعبية جارفة فى وطن ضعيف.

وهنا يجدر بنا التأكيد على أن كل هذه الإنجازات، وهو قليل من كثير، تحققت فى ثلاثة أعوام ونصف فقط، ومازال فى جراب السيسى عشرات المشاريع الطموحة التى ستجعل من مصر دولة يتباهى ويتفاخر بالانتماء إليها كل مصرى.

ونعود للسؤال، ماذا لو لم يترشح السيسى لفترة رئاسية ثانية عام 2018  وما هو مصير كل هذه المشروعات والتى تحمل أعباءها المصريون أيضا، وهل سيتم استكمالها بنفس معدلات الأداء والجودة؟ ومن يضمن أن خليفته سيستكملها؟ ومن هو هذا الشخص الذى يصلح لقيادة مصر فى هذه الفترة التى تخوض فيها مصر معركتين حاسمتين، معركة التنمية، والمعركة المسلحة ضد الإرهاب وتطهير البلاد؟!