شهدت الفترة الماضية كثيراً من الجدل حول الصادرات الزراعية المصرية، وعما إذا كانت ملوثة بمواد ضارة بصحة الإنسان نتيجة ما يتم تداوله حول ري بعض المنتجات المصرية بمياه ملوثة بمواد كيماوية، ناتجة عن صرف بعض المصانع مخلّفاتها في النيل، أو نتيجة لاختلاط مياه الري بالصرف الصحي بسبب قيام بعض سكان القرى بالتصريف في القنوات المائية.
ورغم شهادات صدور شهادات رسمية من عدة دول؛ كالكويت والسعودية والإمارات، فضلاً عن دول الاتحاد الأوروبي، تفيد بسلامة الحاصلات الزراعية المصرية وخلوها من أي مواد ضارة، واصلت القبس رحلة البحث عن الحقيقة رسمياً وميدانياً والتقت عددا من المسؤولين والمعنيين بالقضية، في سياق التحقيق التالي:
أكد نائب وزير الزراعة لشؤون الخدمات والمتابعة د. صفوت الحداد أن ما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام من هجوم على المنتجات الزراعية المصرية لا يستند الى أسس صحيحة، ولا أساس له من الواقع، وأي منتج يتم تصديره للخارج يخضع لمعايير صارمة، سواء في مصر قبل تصديره، أو من قبل الأجهزة الرسمية المختصة في 126 دولة تستورد من مصر منتجاتها الزراعية.
وشدد الحداد على أن جميع الزراعات التي تصدّر الى الخارج تروى بمياه النيل.. فهو المصدر الرئيسي للري، كما أن المحاصيل تخضع للرقابة على جودتها، ويتم استبعاد فوري لأي منتج في حال رصد تلوث أو عدم مطابقة لمعايير التصدير؛ فنحن نعي جيداً أن أي سعلة فاسدة ستضرب في الصميم سمعة جميع السلع المصدرة، فلا مجال للتهاون في صحة الإنسان.
وأشار إلى أن العائد من صادرات مصر من المنتجات الزراعية يصل سنوياً الى نحو أربعة مليارات دولار، وان 126 دولة من أصل 172 دولة تستورد من مصر منتجاتها الزراعية، إذ نصدر سنوياً مليونا و600 ألف طن موالح، على سبيل المثال لا الحصر، كما صدرنا 126 ألف طن عنب، لافتا إلى أنه يوجد بمصر نحو 100 مليون نسمة يأكلون من المنتجات الزراعية ولم نسمع أنهم أصيبوا بتسمّم أو ضرر.
وأضاف الحداد: إن المنتجات الزراعية تخضع لفحص ثلاث جهات رقابية قبل تصديرها للخارج، وهي: وزارة التجارة، ممثلة في هيئة الرقابة، وزارة الزراعة من خلال الحجر الزراعي، أو الحجر البيطري، إذا كان إنتاجاً حيوانياً.
شهادات خاصة
من جانبه، ذكر المستشار الإعلامي لوزارة الزراعة د. حامد عبد الدايم أن المنتج الزراعي المصري يتعرض إلى هجمة شرسة بعد أن تخطينا مرحلة صعبة خلال الفترة السابقة، وأقنعنا دولاً كثيرة بسلامة المنتج الزراعي، وتشهد المرحلة الحالية نهضة تصديرية كبيرة بعد تطبيق معايير عالمية متعلّقة بالفحص والشهادات الخاصة ومتبقيات المبيدات الزراعية، ويتم تطبيقها بدقة تحت مظلة الدولة، وذلك بالاتفاق مع حكومات الدول التي فتحت باب الاستيراد من مصر.
وأضاف عبدالدايم: وزارة الزراعة لها دور مهم في الرد على هذه المزاعم، وذلك بالتأكد من توافر الشروط في المنتجات التي يتم تصديرها، وأنه تم وقف إحدى الشركات لقيامها بتزوير إحدى الشهادات.
وأشار إلى أن وزارة الزراعة وضعت شروطاً لفحص ومتابعة الصادرات من الخضار والفاكهة الطازجة، وحل مشاكل التصدير، وزيادة القدرة على النفاذ إلى الأسواق العالمية.
شروط التصدير
وأوضح أن الشروط هي: فحص مكان تعبئة المنتجات تأكيداً لشروط التصدير، نقل الخضار والفاكهة الطازجة من المزارع ومحطات التعبئة، ومنح المزارع والمحطات ومراكز التعبئة «أكواد» لوضعها على الكراتين، وفحص الطلب والشهادة الزراعية والمنشأ لتتبع المحصول من الجمع وحتى مرحلة التصدير، إضافة إلى قيام المجلس التصديري للحاصلات بإعداد قائمة بأسماء المزارع ومحطات التعبئة المعتمدة، وأخذ عينات عشوائية للتحليل، وعدم استخدام مبيدات غير مصرح بها، ونسبة المتبقيات للحدود المسموح بها، ونظام للسجلات وقائمة بالمبيدات المستخدمة ومصدر الحصول عليها.
وبيّن عبدالدايم أن من ضمن الشروط الموضوعة أن تكون عمليات رش المبيدات للمزارع بأجهزة معتمدة ومتخصصين، وتوافر مخزن لمستلزمات المبيدات بالمزرعة، ووجود سجل خاص لتاريخ عمليات الرش وتاريخ الحصاد، وأن تكون المزرعة بها نظام لمكافحة آفات ذبابة الفاكهة، وعدم الجمع أثناء هطول الأمطار، ويفضل في الصباح الباكر.
تبريد سريع
وختم بأن من الشروط الصارمة التي وضعتها الدولة على الشركات والمزارع الراغبة في التصدير أن تكون محطات التعبئة في مناطق نظيفة خالية من أي تلوث، وأن يتوافر بالمحطة نظام تبريد سريع لاستقبال المنتج من المزارع، وأن تتوافر بالمحطة صالة مجهزة للفرز والتعبئة والوزن والثلاجات، مع الالتزام بإنشاء غرف لتغيير الملابس للعاملين بالمحطة، فضلاً عن متطلبات صحية أخرى.
الصرف الزراعي
وواجهت القبس بعض المسؤولين بما رصدته من أراض تروى بمياه غير نظيفة، فكشف مصدر مسؤول بوزارة الري والموارد المائية أن الأراضي تروى بمياه النيل، وتتم معالجة مياه الصرف الزراعي لإعادة استخدامها في الزراعة مرة أخرى، وهو نظام معمول به في دول العالم، مشيراً إلى أنه تم تحديث خريطة المصارف الزراعية بمختلف المحافظات في الدلتا ووادي النيل، ووضع آليات تنفيذية تشارك فيها وزارات الري والزراعة والبيئة والإسكان والتنمية المحلية للحد من مصادر التلوث التي تهدد هذه المصارف، مع وضع علامات تنويرية تشير إلى المواقع الأكثر تلوثاً بكل منطقة أو مصرف زراعي داخل أي محافظة أو يربط بين أكثر من محافظة.
المصدر أكد أيضاً أن الاتحاد الأوروبي وافق على تمويل مشاريع القضاء على التلوث بمصرف «كوتشنر» الواقع في محافظة كفر الشيخ، والناتج عن قيام بعض القرى، التي لا يغطيها الصرف الصحي، بتصريف مخلفاتها فيه، بنحو 350 مليون يورو، علاوة على منحة تقدر بنحو %10 من القرض التي تصل إلى 35 مليون يورو.
وأضاف أنه من المقرر الانتهاء من إجراءات الحصول على تمويل لحل أزمة التلوث في مصرف كوتشنر قبل نهاية العام الجاري، لإنقاذ المصرف من مصادر التلوث البيئي، وبهدف تعزيز وتحسين أعمال تدعيم نظم مراقبة نوعية المياه، وتقديم الاستشارات الفنية، ورفع كفاءة القدرات البشرية بالوزارات المشاركة في الدراسة.
35 مركزاً إدارياً
بدوره، صرح اختصاصي الزراعة في مديرية الزراعة بمحافظة الشرقية د. محمود البنداري، بأن المحافظة بها أكبر مساحة منزرعة بالمحاصيل الزراعية والبستانية في مصر، حيث يوجد بها أكثر من 35 مركزاً إدارياً، بعضها فقط هو الذي يعتمد على المياه المختلطة من الصرف الزراعي والصرف الصحي معاً في أوقات معينة نتيجة نقص المياه، إضافة إلى الاعتماد على مياه الآبار، وبعضها الآخر يعتمد على مياه النيل المباشرة.
ولفت البنداري إلى أن الأراضي التي تعتمد في الزراعة على المياه المختلطة، من الصرف الزراعي – والصرف الصحي، تقع في نهايات الترع ولا تصلها مياه النيل بشكل كاف، خصوصاً في فصل الصيف، مستعرضاً المناطق وكيفية اعتمادها على الري.
محصول البصل
وعن زراعة محصول البصل بمياه الصرف الصحي، أو المياه المختلطة من الصرف الزراعي والصرف الصحي، شدد البنداري على استحالة ري البصل من مياه الصرف، حيث إنه من المحاصيل الشديدة الحساسية للملوحة، ولذلك يزرع البصل في مراكز ومدن أبو حماد والزقازيق وشبين القناطر، كما يزرع في محافظة القليوبية بنسبة كبيرة، نظراً لوفرة مياه النيل بالمحافظة.
الاتحاد الأوروبي.. والعنب
في خطوة تؤكد سلامة المنتجات المصرية، أعلن وزير الزراعة واستصلاح الأراضي عبدالمنعم البنا، أن الاتحاد الأوروبي وافق على رفع الفحوص الإضافية على صادرات محصول العنب من مصر، وذلك بعد وضع إجراءات الحجر الجديدة التي اتخذتها مصر للحفاظ على جودة المنتجات الزراعية، خاصة الموالح، مشيراً إلى أن الدول الأعضاء في لجنة النبات والحيوان والغذاء والعلف بالمفوضية الأوروبية ببروكسل، صوّتت لمصلحة رفع الفحوص الإضافية على صادرات العنب المصري، وهو ما يعد إنجازاً جديداً لتأكيد السمعة التصديرية وجودة المنتجات.
بدوره، اعتبر المدير التنفيذي للمجلس التصديري للحاصلات الزراعية هاني حسين أن قرار الاتحاد الأوروبي يعد شهادة للمحاصيل الزراعية المصرية، وهذا القرار جاء بعد تطبيق المنظومة الجديدة التي حققت نجاحاً كبيراً، حيث لم يتم رصد أي مخالفة بشحنات العنب، وهو ما أدى الى اقتناع الاتحاد الأوروبي بالمنظومة ونجاحها، عكس العام الماضي، الذي تم خلاله رفض 4 حالات.
«بحر البقر»
عن الأماكن التي تروى بمياه الصرف الصحي في مركز «بحر البقر»، أكد د.محمود البنداري أن هذه المناطق لا تزرع سوى القطن، والأرز، ولب البطيخ، وبعض الخضروات، حيث تتحمّل الملوحة، إضافة إلى زراعة المحاصيل البستانية كالموالح.
دور المواطنين
ثبت بما لا يدع مجالاً للشك، التباين الكبير بين جهود الدولة لزيادة الرقعة الزراعية النظيفة، وبين المتغيّرات الاجتماعية التي طرأت على سلوكيات الأفراد من المزارعين، واستفحلت في السنوات السبع الأخيرة، سواء باللجوء الى الطرق السهلة لري قطع الأراضي الصغيرة التي بحوزتهم، بمياه الصرف الصحي، رغم خطورتها على صحتهم وصحة أبنائهم الذين يتناولون منتجات هذه الأراضي أو ما يطرحونه في الأسواق المحلية، فضلاً عن اقتطاع مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية للبناء عليها لأبنائهم أو للبيع، فابتلعت المباني الخرسانية مساحات ليست بالقليلة من الأراضي الخصبة.
ولا يتوقف الإفساد عند المزارعين فقط.. فكم من المواطنين وأصحاب المصانع الصغيرة، يلوثون مياه النيل بما يلقونه فيه من مخلفات صناعية ومهملات، غير مبالين بخطورة أفعالهم على الصحة العامة، وغير مدركين لأبعاد وخطورة السنوات المقبلة على حصة مصر من مياه النيل، ما لم تتوصّل الى حلول تقيها شرور ومضاعفات بناء سد النهضة في أثيوبيا عليها.
منظومة العمالة
أشار مسؤولون مصريون إلى أنه من الشروط على المزارع تطوير منظومة العمالة للحفاظ على نظافة المزرعة، وأن يكون بالمزرعة دورات مياه وأحواض لغسل الأيدى والتعقيم، وحصولها على شهادة الـ GLOPAL GAP.