ضجيج يتعالى صداه تدريجيًا، وأشخاص يتتبعون الصوت باهتمام للكشف عن غموض مصدره، ونقاط دم على الأرض يقودك أثرها إلى أحد الأكشاك، بعد أن تساقطت هذه الدماء من رأس حمادة سامح، صاحب الكشك، عقب اشتباك عنيف مع سيد الشطوري، صاحب المقهى القريب من الكشك.

«مش هسيب حقي».. قالها حمادة سامح صاحب كشك «فانتازيا» بحدائق القبة، والمجني عليه في تلك الخناقة، وذلك بعد أن أصيب بجرح غائر في رأسه، وارتدى قبعة يخفي بها الجرح، معتبرًا أن الأمر حدث له مفاجأة «غفلني وضربني بالشومة.. بس مش هتعدي بالساهل».

بأعصاب متوترة، يروي حمادة سامح تفاصيل المشكلة التي حدثت، حيث جاءه الرجل الصعيدي يطلب منه كارت شحن من فئة 100 جنيه، ليعود إليه مرة أخرى، ويتهمه بالنصب، بعد أن اكتشف أن الكارت لم يعطه سوى 70 جنيه رصيد فقط، ما أدى لنشوب مشادة كلامية بينهما وصلت إلى حد الاشتباك بالأيدي، «راجل جاهل ميعرفش أن كروت الشحن غليت وبيقول عليا نصاب، ومسك فيا».

أهالي المنطقة تدخلوا لفض العراك، وهدأ المشهد نسبيًا بعد أن تطوع البعض وأقنعوا «الشطوري» بأن قيمة كروت الشحن قد اختلفت منذ أمس، وأن صاحب الكشك ليس نصابًا، وهو ما اقتنع به «الشطوري»، ليعود مرة أخرى ويطلب من «حمادة» كارت شحن آخر ليكمل قيمة الـ100 جنيه التي يحتاجها، ليفاجئه صاحب الكشك بجملة «يعني إنت تقل أدبك وتقول عليا نصاب وعايز مني كارت.. معنديش كروت للبيع»، وهو ما اعتبره «حمادة» في حديثه لـ«الوطن»، أمرا لا يتطلب كل ما فعله «الشطوري»، حيث جاء رد فعله مبالغ فيه وجرى إلى مقهاه حاملا «شومة»، وانهال بها بكل قوته على رأس صاحب الكشك، «دماغي اتفتحت بس ورحمة أبويا ما هخيطها غير لما أعوره».

عم عبده المكوجي كان شاهدًا على الخناقة منذ بدايتها، الرجل المسن الذي يتوسم أهالي المنطقة فيه الحكمة ورجاحة العقل، والذي يقع محله بين «كشك حمادة» و«مقهى الشطوري»، ويصف المسن ما حدث بأنه أمر مؤسف، معتبرًا أن «الشطوري» هو من أخطأ وعليه أن يصلح فعلته، «إحنا ولاد شارع واحد وكلنا بناكل عيش.. مينفعش ده يحصل بيننا».

ويتابع العجوز قائلا: «لو جيت للحق، أكتر واحد غلطان في الموضوع كله هو اللي غلا سعر كارت الشحن وخلى الناس بتلف حوالين نفسها»، وأكمل ممسكًا بالمكواة ليطلق صراح البخار منها، «اللي حصل ده مش سببه كلمة استفزت حد، لكن سببه الأسعار المولعة، وإن الناس كلها بقت على آخرها ومحتاجة لكل جنيه».