لم يكن يعلم أن رحلته لمدينة الإسكندرية لتوديع فصل الصيف ستكون الأخيرة في حياته، هكذا سطّر القدر نهاية المحاسب "محمد خالد" صاحب الثلاثة والعشرين ربيعًا، والتي انتهت بصورة مأساوية على شاطئ النخيل والمعروف بـ"شاطئ الموت" بعد أن ظل قرابة يومين عالقًا بين الصخور. بداية الواقعة كانت يوم الخميس الماضي عندما قرر "محمد" طلب إجازة من عمله في أحد البنوك الخاصة لقضاء رحلة مدتها 3 أيام قبل نهاية فصل الصيف، ليترك بعدها منزله الكائن في محافظة الجيزة متجهًا إلى الإسكندرية برفقة أصدقائه. قضى محمد أول يومين في إجازته بشكل طبيعي بين التنزه في شوارع عروس البحر وزيارة عدد من أماكنها الشهيرة للمصطافين، حتى قرر في صباح اليوم الثالث والأخير النزول للسباحة في شاطئ النخيل، غير أن القدر حوّل وداعه للبحر إلى رحيل دون رجعة. وصل محمد إلى منطقة الصخور التي تُمثل حاجزًا للأمواج، وبسبب التقلبات الجوية لم يستطع الفرار من الدوامات الخطرة التي جرفته إلى أسفل الحاجز الصخري لبقعة حتى لفظ أنفاسه الأخير وسطها، ليظل جثمانه عالقا بينها دون أن يتمكن أصدقاؤه من مساعدته. "مصراوي" تواصل هاتفيًا مع الدكتور زكريا الشريف، أستاذ مساعد بكلية التجارة جامعة القاهرة، والذي كان مدرسًا لمحمد في الجامعة، إذ كان الشريف أول من نشر عن الواقعة عبر صفحات التواصل الاجتماعي، طالبًا المساعدة. وقال الشريف: "محمد جسده كان عالقًا بين صخرتين ولم يتمكن أحد من تخليصه من بينهما، وتم التواصل مع الجهات المعنية التي أرسلت أكثر من فرقة إنقاذ لمحاولة إخراجه، غير أن ارتفاع الأمواج حال دون ذلك". وأضاف: "بعد مرور يوم على الحادث وفشل محاولات انتشال الجثمان، كلمت غرفة عمليات محافظة الإسكندرية ولحد ما كلمتهم مكانش عندهم أي فكرة عن الحادثة من إمبارح، وانتظرت تحرك غرفة العمليات، حتى تم التواصل مع أحد المسئولين في شركة المقاولين العرب، وأفاد بأنهم في انتظار تكليف من الحماية المدنية أو إشعار من المحافظة مرفق بمحضر تفاصيل الوضع، حيث كانوا على أتم استعداد للتعاون لإرسال المعدة المناسبة". وتابع: "بعد مرور نحو ساعتين تم التواصل مع كابتن فريق الغطس الخاص بالشاطئ، وهو عمل اللي يقدر عليه هو وفرقته ومقدرش يعمل أكتر من اللي عمله، ووصف الوضع بأن الصخور على بعد 100 متر من الشاطئ وعمق المياه عند الصخور من 1.5 ل 2 متر". الحماية المدنية أما عن قوات الحماية المدنية، فأوضح زكريا أنهم حاولوا انتشال جثمان محمد من تحت الصخور بالطرق التقليدية لكنهم فشلوا، وأكدوا بعد ذلك أن الأمر يحتاج لتدخل معدات ثقيلة، لافتًا إلى أن الحل الذي جرى طرحه من قبل الجهات المعنية انتظار هدوء الطقس لفترة من الوقت ليعيدوا نفس المحاولات التقليدية مرة أخرى". ماذا فعل محافظ الإسكندرية؟ استكمل الدكتور زكريا حديثه قائلاً: "قبل انتهاء اليوم الأول للحادث اتصلنا بمحافظ الإسكندرية الدكتور محمد سلطان، والذي قال لي بالحرف: "مادام القوات البحرية والحماية المدنية موجودين يبقى هما أدرى هيتعاملوا مع الوضع إزاي.. وهما عندهم المعدات اللازمة للتعامل مع المواقف اللي زي دي، دون أي إضافة"، بحسب روايته. استمرار المحاولات لليوم الثاني استمرت محاولات انتشال الجثمان على مدار اليوم الثاني دون أي جديد، بحسب رواية "زكريا"، والتي جاء فيها: "خلص تاني يوم علي التوالي ومحمد تحت الصخور وقوات الحماية المدنية والبحرية واقفين منتظرين البحر يهدا عشان يطلعوه.. ومحدش راضي يكلف نفسه أي مجهود من أي نوع ويستدعي أي آلة تشيل الصخرة عشان يطلع محمد من تحتها". اتهامات بالتقصير واتهم زكريا الجهات التنفيذية في محافظة الإسكندرية بالتقصير في انتشال الجثمان قائلا "المنطق بيقول أن الونش اللي حط الصخور دي في البحر نقدر نجيبه يرفع واحدة بس منهم ونطلع محمد من تحتها، بس الواقع الأليم كان انتظار البحر لتهدأ أمواجه". واعتبر أنه كان في الإمكان بذل جهدا أكبر من خلال توفير رافعة خاصة بالشواطئ، مستشهدًا بواقعة نجاح إنقاذ كلب بين صخور شاطئ كليوباترا في وقت سابق. نجاح المحاولات في اليوم الثالث "بعد محاولات مضنية، نجحت جهود الإنقاذ في انتشال جثمان محمد من بين الصخور في صباح اليوم الثالث للحادث، ليتم بعدها نقله إلى مثواه الأخير".. يقول زكريا، واختتم حديثه قائلاً: "شكرًا لكل اللي كانوا بيحاولوا يساعدوا محمد وشكرًا لكل اللي كان بيحاول يعمل أي حاجة او يتواصل مع أي حد عشان يساعدنا".