«مش هنقدر ندفع»، شعار رفعه بعض المواطنين ردًا على الزيادة المستمرة فى أسعار الكهرباء، التى ارتفعت بمعدل 33% لجميع الشرائح، ورغم أن الحكومة استطاعت حل مشكلة انقطاع التيار الكهربائى التى اشتد أوارها بعد ثورة 25 يناير 2011، فإنها عجرت عن إيجاد حل لمشكلة سرقات الكهرباء التى تستهلك نحو 12% من جملة الإنتاج الكلى، وتكلف الدولة شهريًا نحو 8 مليارات جنيه سنويًا، وذلك وفقًا لما أعلن عنه المهندس جابر دسوقى، رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، وأشار إلى إمكانية توفير مليار و800 مليون جنيه سنويًا فى حال تنفيذ برامج الترشيد.

«الوفد» رصدت ظاهرة سرقات التيار الكهربى، التى لم تعد تقتصر فقط على الباعة الجائلين الذين يحتلون الشوارع وينيرون «فرشاتهم» عن طريق الأعمدة الكهربائية عبر أسلاك تمتد بطول الشارع، بل أصبح عدد كبير من المواطنين يلجأون إلى سرقة التيار الكهربائى وقطع السلك المؤدى للعداد، لكيلا يحسب ما تم استهلاكه فى الإنارة، ووصل الأمر إلى سرقات بعض محتويات المحولات الكهربائية المغذية لأعمدة الشوارع.

بدأنا جولتنا فى شوارع الجيزة والقاهرة، ورصدنا العشرات من حالات السرقة التى تظهر بوضوح، مستغلة غياب الرقابة، فالأمر لا يحتاج إلى تفتيش لاكتشاف حالات السرقة، فالوصلات المسروقة ظاهرة للجميع ليل نهار، وهى تتدلى إلى أسفل الأكشاك المخالفة وعلى عربات الكارو لبائعى الفواكه والبضائع الأخرى، حيث يصعد الباعة على سلم خشبى ويفتح الغطاء ليصل سلك كهرباء العمود إلى أكشاكهم.

فى منطقة بولاق الدكرور التى لا تخلو من العشوائيات ولا زحمة الباعة الجائلين، شاهدنا محمد فاروق، بائع على عربة فواكه، الذى أبدى استغرابه من لفظ سرقة التيار الكهربى، مشيرًا إلى أن كل الباعة فى هذه المنطقة يعتمدون على أعمدة الإنارة لكى يضيئوا عربات «أكل عيشهم» والزبائن ترى بضاعتهم، مشيرًا إلى أنهم كل ما يفعلونه: «أنهم يسعون إلى أكل عيشهم.. لكى يجذبوا الزبائن إليهم، ليعودوا بالرزق اللى ربنا يريده إلى أولادهم فى آخر اليوم».

وتابع: «ربنا بيسترها معانا.. يدوب إحنا بنوصل سلك من العمود لإضاءة لمبة واحدة على العربة، فى ناس كتيرة فى الشقق والمحلات الكهربائية وغيرها من الأماكن بتسرق الكهرباء لتشغيل عشرات الأجهزة الكهربائية والعديد من الغرف، ومع ذلك لا يُحاسبهم أحد، مشيرًا إلى أن القانون ممكن يحاسبنا احنا الغلابة على سرقة وصلة لإنارة لمبة، بينما الذى يقوم بسرقة الكهرباء لإنارة عشرات الأجهزة ومئات الغرف لا أحد يحاسبه.

وفى منطقة فيصل، لا يخلو المشهد من السرقة العلنية للكهرباء، فيقول «فتحى محمد» 54 عامًا من سكان منطقة العشرين: إن الارتفاع الكبير فى أسعار فواتير الكهرباء، جعل العديد من المواطنين يلجأون إلى السرقة، خاصةً إذا كانت لديهم تكييفات وأجهزة كهربائية كتيرة فى البيت، مشيرًا إلى أن العديد من سكان منطقته نصحوه بأن يسرق الكهرباء لكى يوفر فى الفلوس التى تدفع كل شهر للفواتير، ولكنه «استحرم» هذا الأمر، رغم أنه رجل على «باب الله» بحسب تعبيره، ويوم بيشتغل وعشرة لا».

وتابع: «ظاهرة سرقة الكهرباء موجودة فى كل مكان، وخاصةً المناطق الشعبية مؤكداً أن الباعة وأصحاب «الفرشات» يسرقون الكهرباء من أعمدة الإنارة، يستعينون بالكهربائية الموجودين فى منطقتهم لتوصيل التيار الكهربى لهم مقابل 45 جنيهاً، يعنى يا بلاش»، بدلًا ما يدفعوا ما يزيد عن 100 جنيه كل شهر، بيدفعوا مرة فى حياتهم 45 جنيه، مشيرًا إلى أن الباعة يخشون توصيل التيار بأنفسهم لخطورته على حياتهم.

غلو الأسعار.. أول طريق للسرقة

وفى منطقة الهرم، تشكو الحاجة أم سوسن، 65 عامًا، من ارتفاع أسعار الكهرباء، وأنها تزداد قيمتها شهراً بعد شهر، رغم أنها، بحسب حديثها، لا تشغل غير التلفاز ولمبة الكهرباء والثلاجة، فضلًا عن أنها تعيش فى المنزل بمفردها بعد زواج بناتها، مشيرة إلى أنه فى شهر يوليو الماضى، جاءت الفاتورة نحو 120 جنيهاً وشهر أغسطس كانت 180 جنيهاً، وتواصل أم سوسن حديثها: «يعنى أجيب منين كل شهر بس للكهرباء نحو 200 جنيه ده غير باقى مصاريف البيت، ومعاش جوزى لا يتعدى الـ450 جنيهاً، يعنى أعيش إزاى.

وتابعت: فى ناس كتير أوى بتسرق الكهرباء عينى عينك، مشيرًا إلى أن الارتفاع الكبير فى أسعار الكهرباء والعيشة جعلت بعض الناس لا تستحرم السرقة».

وفى منطقة الإسعاف بوسط البلد، التى لا تبعد إلا أمتارًا قليلة عن شركة جنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء، تجد مجموعة من الباعة بضاعتهم مفروشة بطول وعرض الشوارع، وبالقرب منهم علبة كهرباء بهم مجموعة من الأسلاك الممدودة من أسطوانة سوداء، وهى «الكهرباء المسروقة» من داخل الشركة.

ويقول «أحمد. ح» صاحب أحد الأكشاك بالمنطقة: كل أصحاب الأكشاك والباعة فى هذه المنطقة لا يملكون عدادات كهرباء، ويعتمدون على الأسلاك التى يتم مدها بصناديق الكهرباء، ولا يملكون أية تراخيص تسمح لهم بالبيع فى منطقة وسط البلد، ولكن لم يهربوا من الملاحقة بيدفعوا 50 جنيهاً للموظف الذى يأتى لتنفيذ أمر الإزالة، أو قطع الكهرباء المخالف.

سرقة المحولات

السرقة لا تتوقف على الوصلات الكهربائية من أعمدة الإنارة، بل وصلت للمحولات الكهربائية التى تغذى الشوارع، فيقول محمد عبدالستار، فنى كهربائى، بإحدى شركات الكهرباء: يشكو المواطنون بمنطقتى الهرم وفيصل وغيرهما من المناطق دائمًا من انقطاع التيار الكهربى، وعندما نذهب لفحص «كابينة الكهرباء» ومعرفة سبب المشكلة فنجد سرقة محتوياتها من أسلاك نحاسية وغيرها، مشيرًا إلى أن تكلفة محتويات الكابينة أكثر من 250 ألف جنيه، وعندما تسرق بشكل يومى تكلف الدولة ملايين الجنيهات، خاصة أن الأسلاك النحاسية أسعارها مرتفعة للغاية.

وأضاف: المشكلة أنه الناس بتخاف تسأل أى حد داخل الغرف الخاصة بالكهرباء للكشف عليها عن هويته، ما يجعل على أى فرد أن يدخل ويسرق بسهولة، مشيرًا إلى أن المواطنين لازم يساعدوا الموظفين والمسئولين ويبلغوا عن أى مخالفات، لكن للأسف الناس بتسكت «زى ما تكون بتنتقم من الحكومة» وبتقول اللى يسرق يسرق.. فى النهاية الحكومة هى التى تتكفل بدفع ثمن السرقات وتصلح الأعطال، ونحن لا نغرم مليم.

الحل مش فى العداد

مسئولية سرقة التيار الكهربى تخضع لعدة جهات، منها مباحث الكهرباء وشرطة المرافق والمحليات، ويتم استقبال بلاغات المواطنين عبر الخط الساخن 121 من خلال الرسائل القصيرة أو عبر «الواتس آب»، وللتغلب على ظاهرة السرقات والمخالفات، أصدر مجلس الوزراء القرار رقم 886 لسنة 2016، بتركيب عدادات كودية للمخالفين، وهو ما يسمى بـ«العداد الكودى»، لأنه دون اسم وبرقم فقط.  ومن جهته، قال حمدى عرفة، خبير الإدارة المحلية: إن وزير الكهرباء من خلال القرار السابق، وضع إجراءات تعجيزية للحد من الظاهرة، خاصة على أبناء العشوائيات بعد أن وصل عداد الشقة السكنية 3387 جنيهاً، مبيناً أن الجهة المختصة فى بادئ الأمر قامت بتحصيل 900 جنيه لكل عداد، والباقى يدفع على أقساط، فضلًا أن وزير الكهرباء أعطى تعليمات لشرطة الكهرباء بتحصيل رسوم بقيمة 1015 جنيهاً حتى للشقق التى لم يقم المواطن بإنارتها.  وأشار إلى أنه من ضمن الإجراءات التعجيزية الشروط والأوراق المقدمة للحصول على العدادات الكودية، فضلًا عن ارتفاع سعر المقايسة لكل شقة إلى 450 جنيهاً، فى حين أنها للعقارات غير المخالفة 18 جنيهاً للمتر، أى بمتوسط 180 جنيهاً فقط، متسائلاً: «ماذا تفعل العائلة التى تملك غرفة وصالة، هل ستدفع المبالغ الخيالية دى كلها من أجل تركيب عداد، بالطبع لا، وستلجأ لسرقة الكهرباء أرخص.

وفى السياق ذاته، محمد صالح، رئيس مركز بحوث الطاقة، المدير التنفيذى لمرفق الكهرباء سابقًا يقول: إن هناك حالات لسرقة الكهرباء مستعصية، أى يصعب اكتشافها خاصةً التى تكون بالمنازل والمحلات التجارية، حيث يتعمد بعض المواطنين فى قطع السلك المؤدى إلى العداد، لكيلا يتم حساب عدد الكيلووات الذى يستخدمه فى المنزل وأحياناً يعتمدون على الأسلاك الممتدة من الأعمدة أو «كابينات الكهرباء القريبة منهم» لتوفير النفقات التى تدفع فى الفواتير.

وأكد «صالح» أن الحل الأمثل للقضاء على هذه الظاهرة تطبيق القانون وتوقيع العقوبة على سارقى الكهرباء، مبدياً أن المادة 71 من قانون تنظيم الطاقة رقم 87 لسنة 2015، نصت على: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه».

وأضاف: علاوةً على تطبيق القانون، لا بد من الاعتماد على حلول أخرى للحد من ظاهرة زيادة استهلاك الكهرباء والذى يكلف الدولة ملايين الجنيهات، منها: استخدام الطاقة الشمسية، وتغيير نظام «السينسور» فى أعمدة الإنارة، واستبدال اللمبات الحمراء والصفراء باللمبات اليد.