يكثر الحديث هذه الأيام عن طبيعة المنافسة التي سيشهدها العام القادم والذي يبدأ غداً بين الحزب الوطني والمعارضة والإخوان.. الصراع سيدور في أبريل القادم علي مقاعد مجلس الشوري التي يتم التجديد النصفي لها ثم يشتد هذا التنافس مرة أخري مع نهاية العام عندما تجري الانتخابات علي مقاعد مجلس الشعب.

حتي اليوم لا توجد برامج تنافس أخري.. لا يوجد حزب التفت حوله الجماهير باستثناء الحزب الحاكم لأنها رأت فيه مشروعاً للمستقبل.. ما يحدث حالياً علي الساحة السياسية أشبه بعمليات الاستنساخ حيث يحاولون تقديم أشخاص يغنون عن الأحزاب في التفاف مقيت حول شرعية التعددية الحزبية الموجودة في الدستور.

المواجهة بين الدولة والمعارضة في مصر تدور في جزء كبير منها حول فهم الدولة الدينية ومثيلتها المدنية.

ونتيجة لهذا الاشتباك بين الدين والدولة افتقدت النخبة تركيزها.. أو لنكن أكثر تدقيقاً حصرت النخبة اهتمامها في شخص الرئيس القادم متصورين أن التغيير مرهون بالأشخاص استنادا إلي الفكرة التي سادت العالم مع قدوم أوباما في نوفمبر ..2008 المقارنة غير صحيحة.. فتغيير أوباما كان في أسلوب إدارة الحكم ولم يتطرق أبدا إلي الثوابت أو المصالح التي لا تتغير أبدا.. وهذه هي نقطة الخلاف الرئيسية بين أي تغيير وبين ما يريدونه لمصر!.

الإخوان والمعارضة لايريدون حياة أفضل للمواطن أو تقديم برنامج انتخابي يقضي علي الفقر أو يحسن الخدمات الصحية أو يزيد الخدمات والمرافق أو يمد يد المساعدة للكادحين.. لكنهم يريدون تحقيق انتصار سياسي في تعديل الدستور وإعلان الحرب من جديد علي إسرائيل والتحالف مع إيران وجعل مصر قاعدة لانطلاق المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.. لا يهم إن ضاعت سيناء. لكن المهم هو انتصار الرأي الإسلامي. وساعتها ستتحول كل مسميات المعارضة إلي مظلة الإخوان. ونري ذلك في مناقشات مجلس الشعب عندما يتفق نواب الإخوان مع باقي المعارضة علي موقف واحد ضد الأغلبية.

الخطورة في الصراع الذي سيدور في عام الانتخابات القادم إنه لن يكون حول أمن الأمة ورخائها وازدهارها وقوتها وقدراتها. ولكنه سيكون صراعاً "إسلامويا" بين الجهاد والتنمية.. بين الاستشهاد والمستقبل.. بين ما يمكن أن نحققه للشعب وما يحلم به العرب والمسلمون.. والخطورة في الصراع أنه يمكن أن يتحول إلي نوع من "الأفيون" أو المخدر يتسللون به إلي الشعب ويقنعونه أنهم من الصابرين الأبرار الذين يحتسبون الله عنده ويظلهم تحت العرش.

سينشغل الناس عن مطالبهم في تحقيق تحسين أحوال المعيشة وتطوير الخدمات الصحية والقضاء علي الفقر وإتاحة جودة عالية للتعليم. بالتفكير في الدار الآخرة والصبر علي المكاره والدعاء علي الظالمين.

لقد تراجعت الحركات الإسلامية ببلطجيتها وغوغائيتها في كافة البرلمانات العربية.. فشلت الحركات الإسلامية رغم ضجيجها الإعلامي وصحفها المأجورة لها وكتابها الذين يرتزقون منها في تقديم بديل سياسي في مصر والكويت والبحرين والمغرب والأردن وفلسطين واليمن وكلها دول عربية يعلو فيها شأن الإسلاميين تحت البرلمان.

في الكويت سيطر السلفيون علي البرلمان "مجلس الأمة" لفترة.. كانت النتيجة صداماً دائماً بين المجلس والحكومة.. مرة يغيرون المجلس وأخري يعزلون الحكومة.. تراجع عمر الحكومات إلي خمسة أشهر أما مجلس الأمة الذي كان يفخر أنه يكمل مدته كل 4 سنوات فقد هبط متوسط عمره إلي أقل من عام.. يغيرون شكل الحكومة وتركيبة المجلس وسرعان ما يعود الصدام من جديد.. النتيجة تأخر التنمية في الكويت.

توقفت المشروعات وهاجم النواب الوزيرات والنائبات.. اسموهن "السافرات".. كانت الكويت رائدة المسرح والفن في الخليج فتم تحريمهما وصادروا الكتب والغوا حرية الإبداع.. مؤخراً صدرت توصيات بإلغاء الفنادق علي أن يقيم ضيوف البلاد في خيم.

لكن في الأردن تراجع التيار الإسلامي وتقهقر نوابه وذلك بسبب أن الأردنيين تنبهوا مبكراً إلي أن التيار الديني المتشدد يمكن أن يبيع الأردن ل "حماس" خاصة وأن "التيارين" ينتميان للإخوان.

في مصر فشل الإخوان بجدارة في تقديم مشروع قانون واحد لخدمة الشعب تحت قبة البرلمان.. هدفهم الوحيد الاستجوابات ولفت الأنظار "والغلوشة" علي كل قانون يقدمه الحزب الوطني.. الإخوان أحدثوا تشويشا عاليا للحياة السياسية في مصر وخلطوا الأخلاق والدعوة إلي مبادئ الإسلام بالوصول إلي الحكم والتحالفات مع المعارضة الشرعية التي تنبه البعض لألاعيبهم ولم يتنبه الآخرون.

إلقاء الطوب

ان عام الانتخابات القادم سيشهد صراعا بين حلول واقعية لحل مشاكل وأزمات المصريين وبين بلطجة وتشويش وتشكيك في هذه الحلول.. سيذهب الحزب الوطني إلي صناديق الانتخابات ببرنامج واقعي ونقاط محددة لتحسين ظروف الناس.. وسيذهب الآخرون بكلام وضجيج و"عصي" غليظة وصوت مرتفع لكنهم بالتأكيد لن يقدموا برنامجا أفضل من برنامج الحزب الوطني أو الحكومة.. لذلك سيتطوعون بالتشكيك في برنامج الدولة وتشويه انجازاته الكثيرة.. القاء الطوب وكسر النوافذ أسهل كثيرا من استخدام الطوب في بناء المنازل والعمارات.

من ثم سيكون الصراع في انتخابات العام القادم حول الواقعية والفوضي.. حول برنامج يشتبك مع أزماتك ويحاول مساعدتك.. ودعاوي تطالبك بأن تستشهد أو تساعد أخوانك المجاهدين.. أجندة محلية وأخري خارجية.

ستكشف الانتخابات القادمة الحقيقة التي اكتشفها اخواننا في بغداد وهي ان الإسلاميين لا يملكون برامج واقعية. لذلك سقط كل رموز الشيعة والسنة في الانتخابات المحلية والتشريعية في العراق.. وكذلك رسب حزب التنمية الإسلامي في المغرب لأنهم شغلوا الناس بضرورة إعلان الحرب ضد الجزائر واستنكروا ان تكون "الفرنسية" لغة يتخاطب بها المغاربة وهبط الحزب الإسلامي لأول مرة للمركز الثالث.. الشعوب العربية كلها ادركت وهم التضليل باسم الإسلام.. ليس لكل التيارات السلفية برامج تكفي لاخراج المجتمعات العربية من التخلف للتقدم أو من الجهل إلي النور.. لقد رسم الفنان سيد عبدالفتاح رسماً مع هذا المقال يؤكد ان مصر ستختار برنامجاً واقعياً إذا ما وقفت أمام الصندوق. ولن تختار أبداً الذين يتصورون انهم بعصيهم وعضلاتهم وأصواتهم وفضائياتهم سيأخذون هذا البلد رغماً عن أهله فهذا لن يكون.