fiogf49gjkf0d
في 11 أغسطس القادم يكون قد مر على اختفاء الكاتب الصحفي بالأهرام رضا هلال سبع سنوات كاملة، سبع سنوات لم تكل أسرته ولم تمل من البحث عنه، أشقاؤه خاطبوا كل الجهات المسؤولة، قدموا بلاغات إلى جهات التحقيق المختلفة، ظهروا في العديد من البرامج التلفزيونية، أجروا العديد من الحوارات الصحفية، حضروا العديد من الندوات الحقوقية، لكنهم في النهاية لم يعثروا له على أثر.

لم تقتنع أسرة رضا هلال أن ابنها مات، فهو محتجز في أحد السجون، أو أنه موجود في جهة ما من مصلحتها أن يختفي إلى الأبد، كانت الأسرة تتعامل على أنه غائب ليس أكثر من ذلك، جهزوا له غرفة في بيتهم بالسنبلاوين – محافظة الدقهلية – وضعوا فيها متعلقاته وكتبه التى تصل إلى 30 ألف كتاب، وحتى الآن لم يستخرجوا إعلام وراثة، فهو بالنسبة لهم حي، وليس معقولاً أن يرثوا أخاهم وهو لا يزال على قيد الحياة.
كانت هناك حالة من التعمية المقصودة على مصير رضا هلال، ولأن الغموض كان كبيرًا، فقد كانت الشائعات هي الطريقة الوحيدة لتفسير ما جرى له، وكان أهم هذه الشائعات أن رضا تحدث في صالة تحرير الأهرام بما لا يليق عن جمال مبارك، فقد وصفه بالشاذ، ولم يكتف بذلك، بل أكد أن لديه مستندات بالصوت والصورة تؤكد ما يقوله، وعلى الفور نقل أحد المتعاملين مع أمن الدولة من الأهرام الواقعة، ولأن هلال تجرَّأ في موضع لا تجوز معه الجرأة، فقد دفع الثمن غاليًا، اختطفوه وأخفوه، دون أن يقول من أطلقوا الشائعة من هؤلاء الذين اختطفوه وأخفوه.
وإن ظلت وزارة الداخلية التي كانت يدها هي الأطول في مصر، فقد توجهت الاتهامات كلها إليها، دون أن يملك من يتهمونها دليلاً، ولم يكن من وزارة الداخلية إلا أن أنكرت كل شيء، وصرحت أن رضا هلال لا يوجد بالفعل في أي من الأماكن التابعة لها، سواء كانت سجونًا أو حجز أقسام شرطة أو مقرات أمن دولة.
بعد الثورة ولأن كل الملفات أصبحت مفتوحة، فقد أصبح البحث عن رضا هلال فريضة واجبة، في نهاية مارس الماضي أشارت جريدة "الجريدة" الكويتية إلى أنها تملك وثيقة تكشف عن تنظيم سري أنشأه حبيب العادلي في وزارة الداخلية، وأن هذه الوثيقة تحمل تاريخ 13 أغسطس 2003 أى بعد اختفاء هلال بيومين فقط.

أسامة هلال يطالب النائب العام بفتح اختفاء شقيقة

وفي الوثيقة التي لم تكشف الجريدة الكويتية عن هويتها، أن تنظيم حبيب العادلي السري اختطف رضا هلال، وأن الكاتب الصحفي في لحظة اختطافه، هدد من خطفوه بأن لديه مستندات خطيرة، وأنه وضعها أمانة لدى شخص آخر سوف يسلمها للنائب العام في حالة اختفائه.
في الوثيقة أيضًا أن رضا هلال تم اقتياده إلى مقر أمن الدولة في شارع جابر بن حيان بالجيزة، ولم تكشف الوثيقة عن شيء آخر، لا عن المستندات التي قال إنه يملكها، ولا عن مصيره النهائي، لكنها اهتمت بنص الوثيقة التى رفعت إلى حبيب العادلي وكتبها المشرف على التنظيم السري وهو المقدم (ح. ص).
تقول الوثيقة: "بخصوص التكليف رقم 118 بتاريخ 10/8/2003 تم تنفيذ التالي: تم الاتصال بالمدعو رضا هلال هاتفيًّا الساعة الثالثة وعشرين دقيقة بعد الظهر وإبلاغه أن الضيف الذى ينتظره المدعو خالد الشريف صدمته سيارة بجوار محل سكنه الكائن في 34 شارع إسماعيل سري بالقصر العيني، وبناء عليه نزل المدعو رضا هلال مسرعًا، وقبل أن يصل أول الشارع محل سكنه تم التصدي له بمعرفة رجال التنظيم وإفقاده الوعي ونقله إلى مقر التحفظ بجابر بن حيان بعد 15 دقيقة، وتم تقييده وتغمئته وتكميمه لحين ورود تعليمات أخرى، كما نفيد سيادتكم أن المذكور طلب قبل تكميمه توصيل رسالة لسيادتك، مفادها أن هناك مستندات خطيرة تعلمها سيادتكم موجودة لدى شخص آخر، وأن هذه الشخص مكلف بتسليم هذه المستندات إلى النائب العام في حال اختفائه".
أغلب الظن أن هذه الوثيقة من وثائق جهاز أمن الدولة التي تسربت عقب اقتحام مقراته من قبل الثوار، لكنها تحمل بعضًا مما يجعلنا نشكك في صحتها، فإذا كان حقيقيًّا أن رضا هلال أوصى صديقًا له بأن يسلم المستندات التى لديه إلى النائب العام في حال اختفائه، فأين هذا الصديق وأين هذه المستندات، وإذا اعتبرنا أن الصديق تراجع عن الوفاء بوعده لصديقه خوفًا من أن يلاقي مصيره، فإنه كان يمكن له أن يرسل بالمستندات إلى مكتب النائب العام، وهو حسب علمنا ما لم يحدث ربما حتى الآن.

الاختفاء القسري للأشخاص في مصر زمن الحروب و حتى في السلم




التشكيك في الوثيقة لا يعني أنه لا توجد علاقة بين ما جرى لرضا هلال وحبيب العادلي، وهو ما يصر عليه أشقاؤه، فشقيقه أسامة يصر على أن حبيب العادلي وجمال مبارك وراء اختفاء شقيقه، كما أن شقيقه سيد تقدم إلى مكتب النائب العام ببلاغ رسمى ساندته فيه نقابة الصحفيين – عبر مستشارها القانوني سيد أبو زيد - التي ينتمي إليها رضا طالب فيه بالتحقيق مع حبيب العادلي بتهمة ختطاف رضا هلال.
شقيقه أسامة لا يزال يملك يقينًا بأن شقيقه على قيد الحياة، قد كشف خلال الأيام الماضية أنه عرف أن شقيقه موجود في سجن برج العرب بالإسكندرية، فقد تلقى ثلاث مكالمات تليفونية أكد أصحابها أنهم فاعلو خير، وأنهم رأوا شقيقه في سجن برج العرب، وأنه كان يرتدى تريننج أبيض في أزرق، وأنه موجود داخل عنبر انفرادي، لكنهم رأوه بطريق الصدفة.
أسامة أشار إلى أن رجال حبيب العادلي كانوا يراقبون رضا وهو موجود في الأهرام، وأنه عندما نزل إلى الشارع قامت سيارتا جيب باختطافه ولم يظهر حتى الآن، وطالب أسامة بتفتيش برج سجن العرب لمعرفة ما إذا كان رضا موجودًا فيه أم لا، لكن هذا الأمل قطعه أحد المسؤولين في وزارة الداخلية، عندما صرح بأن رضا هلال ليس موجودًا لا في سجن برج العرب، ولا في أيٍّ من السجون التابعة لوزارة الداخلية.

لكن الآن ما الجديد في قضية رضا هلال؟
الجديد هو ما لدينا من مصادر أمنية كشفت ما يمكن أن نطلق عليه خريطة ضرب المعارضين في عصر الرئيس مبارك، فقد تعرضت مجموعة من المعارضين للضرب المبرح لمجرد أنهم عارضوا بيت الرئيس، أو تجاوزوا حدودهم مع وزير الداخلية حبيب العادلي، الذى يبدو أنه كان يسلط رجاله لتأديب المعارضين دون أن يعتقلهم أو يصنع منهم أبطالاً، وقد تم الاعتداء على كل من الكاتب الراحل جمال بدوي والكاتب الصحفي سليم عزوز والكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل.
وكان المخطط أن يتم ضرب رضا هلال وإذلاله وينتهي الموضوع، لكن يبدو أن من قاموا بضرب رضا هلال لم يكونوا محترفين بما يكفي، أو لأن رضا كان مريضًا بالقلب، فلم يتحمل الضرب المبرح فمات في أيديهم.

لكن ما الذى فعله رضا هلال حتى يتم ضربه؟

تقول المصادر الأمنية إن رضا كان يرتبط بعلاقة صداقة مع زوجة أحد المسؤولين الكبار، ورغم أن هذه العلاقة كانت قبل أن يتزوج المسئول الكبير من هذه السيدة، فقد تزوجها تحديدا ومن واقع وثيقة الزواج في 26 يناير 1995، أي قبل واقعة رضا هلال بحوالي ثماني سنوات، لكن المسؤول الكبير الذي كان يضع تليفونات زوجته وأولاده تحت المراقبة ليعرف تحركاتهم ومن يتصل بهم، رصد مكالمة بين زوجته وبين رضا هلال، ويبدو أنه ذكرها بما كان بينهما، وهو ما استفز المسؤول الكبير الذي قرر أن ينتقم من رضا هلال.
وهنا يمكن أن يظهر دور حبيب العادلي الذي كان يضع خدماته تحت تصرف من يريدها من المسؤولين الكبار، حيث تم تكليف بعض رجاله باستدراج رضا هلال لضربه وتأديبه، وهو ما حدث بالفعل، فقد تم ضربه، لكن الضرب المبرح أفضى به إلى الموت.
أصبحت جثة رضا هلال أزمة، لا بد من التخلص منها، وهنا رواية تتبناها المصادر الأمنية تقول إنه تم التخلص من جثة رضا هلال من خلال إلقائها في أحد أحواض الجير الحي بمقابر البساتين، ثم تم إلقاء الماء عليها للتخلص منها نهائيًّا.
كل الطرق في قضية رضا هلال تؤدي إلى حبيب العادلي وحده، وهو ما يجعلنا نتقدم بهذه الروايات كبلاغ إلى النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، إضافة إلى البلاغ الذي تقدمت به نقابة الصحفيين، للتحقيق مع حبيب العادلي في قضية رضا هلال، فقد يكون التحقيق في هذه الظروف الطريقة الوحيدة لكشف غموض ما جرى لهذا الرجل الذى كلفته مكالمة عابرة حياته.