من أجل عيون العملة الصعبة التى أعجزتها طوال الأشهر الماضية، قررت حكومة المهندس اسماعيل شريف تقديم كل ما هوغالٍ ونفيس للحصول عليها، حتى لوكان التنازل عن جزء من حصيلة الجمارك والتسبب فى شلل حركة المرور فى مصر وزيادة معدلات التلوث بها أكثر مما هى عليه، ومن هنا تدرس وزارة المالية قرارا بإعفاء سيارات المصريين المقيمين فى الخارج من الجمارك مقابل ان يكونوا قد قاموا بتحويل مدخراتهم عبر البنوك المصرية لمدة عام كامل، وأن يقوموا بوضع وديعة دولارية بقيمة 10 آلاف دولار لكل منهم فى البنوك الوطنية لمدة 5 سنوات، وهو الاتفاق الذى ابرمته وزيرة الهجرة السفيرة نبيلة مكرم مع المصريين فى الخارج، ليتحقق بذلك الحلم الذى يراودهم منذ عام 2010، فأمام إغراء العملة الأجنبية لم تفكر الحكومة فى تداعيات هذا القرار على الشارع المصرى والزحام والتلوث وغيره من المشكلات التى ستترتب على دخول مليون سيارة إلى البلاد .
من حق كل مصرى يعمل فى الخارج أن يمتلك سيارة هو وأسرته ترحمه من عذاب المواصلات فى القاهرة، ومنذ عام 2010 والمصريون فى الخارج يسعون لدى الحكومة للسماح لهم بإدخال سياراتهم للبلاد بدون جمارك، إلا أن الحكومات السابقة كانت ترفض بسبب الزحام الذى قد ينتج عن هذا القرار وارتفاع نسب التلوث، وأمام أزمة الدولار التى تعيشها البلاد منذ عدة أشهر والحكومة تسعى بكافة الطرق والوسائل لتوفير العملة الصعبة، ومن ثم لم تجد أمامها سوى عقد صفقة مع المصريين فى الخارج، الذين جددوا مطلبهم لوزيرة الهجرة السفيرة نبيلة مكرم عبدالشهيد منذ عدة أشهر بإعفاء مليون سيارة من الجمارك مقابل ودائع دولارية بمبلغ 10 آلاف دولار مقابل كل سيارة، ليبلغ اجمالى الودائع مليار دولار، لمدة 3 سنوات، وبالفعل عقدت وزيرة الهجرة اجتماعات مع ممثلى وزارات المالية والخارجية والداخلية والبنك المركزى لمناقشة الاقتراح معهم، إلا أن طارق عامر محافظ البنك المركزى طالب بزيادة مدة الودائع إلى 5 سنوات، ومؤخرا توصل الجميع لاتفاق، وأصبح الأمر برمته أمام الدكتور عمروالجارحى وزير المالية ليصدر قرارا يقضى باعفاء سيارات المصريين فى الخارج من الجمارك، تمهيدا لعرضه على مجلس الوزراء، أما الشروط التى تدرسها لجنة وزارة المالية المنوط بها دراسة الموضوع تمهيدا لصدور القرار فتقضى بإعفاء السيارات من الجمارك مقابل تحويل مبلغ معين يتم تحديده حسب نوع السيارة وسنة الصنع وسعة الموتور إلى البنوك المصرية خلال عام، وتتضمن الشروط أيضا عدم بيع السيارة لمدة معينة لم يتم تحديدها بعد، وسيتم تقسيم السيارات إلى شرائح، كل شريحة تتطلب تحويل مبلغ معين، ولم تتضمن الشروط وجود الودائع الدولارية التى تحدثت عنها وزيرة الهجرة مرارا والتى أكدت أنها ستصل إلى مليار دولار.
فى حين أكدت الوزيرة أنها التقت وممثلى سفارات المغرب وتونس والجزائر للتعرف على تجربة هذه الدول فى تقديم اعفاءات لسيارات المواطنين المغتربين، ورغم أن الأمر ما زال قيد الدراسة إلا أن الاخبار بدأت تتوارد حوله طوال الأسبوع الماضى، ودشن عدد من المصريين فى الخارج حملات على مواقع التواصل الاجتماعى للضغط على الحكومة لتنفيذ مطالبهم بالسماح بدخول سيارة وأثاث منزلى لكل أسرة بدون جمارك، خاصة بعد اشتعال أسعار السيارات فى مصر عقب تحرير سعر الصرف .
جدير بالذكر أن قيمة الجمارك على السيارات الملاكى تحسب كالآتى: السيارات حتى 1600 سى سى، تقدر الضريبة الجمركية عليها ب 40% بالاضافة إلى 15% ضريبة مبيعات و3% رسوم تنمية، أما السيارات من 1600 سى سى إلى 2000 سى سى فتقدر الجمارك عليها بـ 135%، و30% ضريبة مبيعات و5% رسم تنمية، والسيارات أكبر من 2000 سى سى متبلغ قيمة الجمارك عليها 135%، و45% ضريبة مبيعات ورسم التنمية يقدر بـ8.5 %.
وإذا كان من حق المصريين المغتربين فى الخارج ادخال سياراتهم إلى البلاد بعد سنوات طويلة من الغربة، فإن مثل هذا القرار لا يجب أن يتخذ تحت وطأة الحاجة للعملة الأجنبية فقط، بل يجب دراسته من كل الجوانب خاصة أن الدراسات تؤكد أن الملوثات فى هواء القاهرة تفوق المعدلات العالمية بـ7 مرات، وتقدر الخسائر المادية لهذا التلوث بحوالى 10 مليارات جنيه سنويا.
كذلك تعد القاهرة من أكثر مدن العالم ازدحاما بالسيارات حيث يوجد بها 2.3 مليون سيارة بالإضافة إلى مليون سيارة فى محافظة الجيزة، من بين 8.6 مليون سيارة فى مصر كلها، وهوما يعنى ان عدد السيارات فى مصر كبير مما يسبب زحاما شديدا فى الشوارع، تبلغ تكلفته وفقا لدراسة أجراها البنك الدولى بالتعاون مع معهد النقل القومى 50 مليار جنيه سنويا، ما بين كميات الوقود المستهلكة فى الزحام، وتكلفة علاج الأضرار الناتجة عن التلوث بعوادم السيارات، والحوادث، والتأخير الناتج عن الزحام، وزيادة عدد السيارات بما لا يقل عن مليون سيارة يعنى المزيد من المشكلات وهوما يتطلب المزيد من الدراسات قبل اتخاذ القرار .
فرغم ان الاقتصاديين رأوا أن هذا القرار قد يكون جيدا فى الوقت الراهن لحل أزمة العملة الصعبة جزئيا، إلا أنهم طالبوا بمزيد من الدراسة قبل الاقدام عليه حيث يرى الدكتور محسن الخضيرى الخبير المصرفى أن هذا القرار يأتى كمحاولة للتصدى لأزمة الدولار التى احتارت فيها الحكومة منذ فترة، مشيرا إلى اننا نحارب بحروب الجيل الرابع ولا نمتلك أسلحة لمواجهتها، واضاف: الحكومة تسعى الآن بكل طاقتها لمواجهة هذه المشكلة وتلجأ لكافة الاقتراحات لمواجهتها لحل أزمة ارتفاع الأسعار وانهيار الجنيه بهذا الشكل غير المبرر، فهى لا تمتلك الآن الوقت للدراسة وإنما تبحث عن حلول، ولكن التسرع قد يسبب مشكلات أخرى ومن ثم يجب ان يكون هناك نوع من التروى قليلا .
ويتفق الدكتور يوسف ابراهيم أستاذ الاقتصاد ومدير مركز صالح كامل للاقتصاد الاسلامى بجامعة الأزهر مع الرؤية السابقة، مشيرا إلى أن الحكومة تبحث عن كل البدائل المتاحة لتوفير الدولارات وزيادة الاحتياطى النقدى، ومن هنا لجأت لهذه الفكرة رغم انها مرفوضة منذ سنوات، وقال أنه من حق المواطن المصرى المغترب بعد سنوات غربته أن يدخل سيارته إلى البلاد بتخفيض جمركى، خاصة أن الجمارك على السيارات مرتفعة وتصل أحيانا لضعف ثمن السيارة، ومعظم الدول تسمح لمواطنيها بالعودة بسياراتهم بدون جمارك إلا مصر، ولكن الأمر الآن مختلف فالحكومة تسعى لتوفير الدولارات بأى وسيلة حتى لوكانت باللجوء لمثل هذا القرار، ولم تضع فى حساباتها أى اعتبارات أخرى لا تلوث ولا زحام ولا حماية الصناعة الوطنية، فأمام أزمة الدولار ليس أمامه خيارات سوى توفير العملة لشراء مستلزمات أخرى مثل السلع الاستراتيجية والأدوية ، ولكن يجب عليها أن تفكر ماذا بعد استنفاذ كل هذه الوسائل ووضع البلاد فى مشكلات أخرى ؟
فيما يطالب رزق أحمد رزق رئيس الجمعية المصرية للمالية العامة والتشريع بضرورة دراسة كيفية استخدام مثل هذه الودائع، مشيرا إلى أن الحكومة تحت ضغط الحاجة للعملة الصعبة لجات لمثل هذا القرار، وليست المشكلة فى التضحية بجزء من حصيلة الجمارك التى تدفع بالجنيه المصرى، إنما الأهم هو الحصول على دولارات بشرط حسن استثمارها واستغلالها، وتوجيهها لخدمة الاقتصاد المصرى، وأضاف أن هذه الودائع الدولارية يمكن استخدامها لشراء أدوات انتاج بدلا من الاقتراض من البنوك الأجنبية، وتشغيل المصانع بما يدر دخلا على الدولة بدلا من توجيهها توجيهات استهلاكية لا عائد منها .
وكانت هذه الفكرة قد لاقت معارضة من البعض بحجة التأثير على صناعة السيارات فى مصر ومن ثم طالب اللواء عفت عبد العاطى رئيس شعبة السيارات بغرفة القاهرة التجارية بمزيد من الدراسات قبل اتخاذ قرار نهائى فى هذا الشأن، مشيرا إلى أن مصر يوجد بها 6 مصانع للسيارات تصنع ما بين 70 ألفا إلى 80 ألف سيارة فى العام، واستهلاك السوق المصرى لا يزيد عن 200 ألف سيارة، فكيف تستوعب البلاد مليون سيارة أخرى، وتساءل هل الأمر سيقتصر على الاعفاء الجمركى فقط، ام ستعفى سيارات المصريين العاملين فى الخارج من ضريبة القيمة المضافة أيضا؟ وأكد أن هذا القرار سيضر بصناعة السيارات ومن ثم يجب دراسته من كافة الجوانب أولا قبل اصداره بصورة نهائية .