يؤكد الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن خلال أحاديثه لأبناء الشعب الفلسطينى بأن السلطة الوطنية الفلسطينية ترفض أى تدخل فى الشئون الداخلية وتحافظ على قرارها الوطنى المستقل، مشيرا لرفضه الحازم والصارم لأى تدخل فى الشئون الداخلية الفلسطينية، وخلال أحاديثه النادرة عن الوضع فى قطاع غزة طالب أبو مازن خلال كلمته الأخيرة فى المؤتمر السابع لحركة فتح بمتابعة العمل مع المحكمة الجنائية الدولية للانتصاف لضحايا غزة ومحاسبة مجرمى الحرب، وصولا لفتح تحقيق قضائى فى جرائم الاحتلال الإسرائيلى المرتكبة فى حق الشعب الفلسطينى فى المجالات كافة.
شدد الرئيس محمود عباس على ما وصفه بـ"الثوابت" فى التعامل مع مبدأ السيادة وحديثه الدائم عن الانتصاف لأبناء غزة، فهل الرئيس أبو مازن جاد وصريح فى حديثه عن الانتصاف لغزة وملاحقة إسرائيل ؟ وهل رئيس السلطة الفلسطينية لم يخضع لأى ضغوطات خارجية للتخلى عن تلك الثوابت؟.
تقرير لجنة تحقيق فلسطينية شكلها محمود عباس أبو مازن
حصل "اليوم السابع" على تقرير لجنة التحقيق التى تشكلت بقرار من الرئيس محمود عباس أبو مازن بشأن فتح تحقيق بشأن قرار تأجيل عرض تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصى الحقائق بشأن الحرب على غزة ( تقرير جولدستون) على مجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والتى تشكلت برئاسة كلا من حنا عميرة رئيسا للجنة، ورامى الحمد الله "رئيس الوزراء الحالى" عضوا فى اللجنة، الدكتور عزمى الشعيبى، عضوا فى اللجنة، والتى استخلصت فى تقريرها مدى الضغوط التى مورست من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل على الرئيس الفلسطينى لحذف وتعديل بعد فقرات التقرير وصولا للضغط على أمين سر منظمة التحرير الدكتور صائب عريقات خلال زيارته لواشنطن لتأجيل عرض التقرير على مجلس حقوق الإنسان فى جنيف، وهو ما يؤكد خضوع رئيس السلطة للضغوطات الأجنبية وعدم تمسكه بحق أبناء غزة فى ملاحقة الاحتلال الإسرائيلى.
أعضاء لجنة التحقيق الفلسطينية المشكلة بقرار الرئيس أبو مازن
ويتألف التقرير الذى خرجت به اللجنة من 22 ورقة والذى تم اخفاءه دون أسباب واضحة أو معلومة، ويكشف "اليوم السابع" بالوثائق أهم ما ورد فى التقرير الذى رفعته اللجنة التى شكلها الرئيس الفلسطينى إيمانا بحق القارئ العربى والفلسطينى فى معرفة حقيقة ما جرى فى جنيف خلال عام 2009 خلال جلسة مجلس حقوق الإنسان فى أكتوبر من عام 2009 وتفاصيل عمل اللجنة والاتصالات التى جرت فى الكواليس لعرقلة طرح التقرير على لجنة حقوق الإنسان فى جنيف.
وخرجت اللجنة بعدد من الاستخلاصات التى تؤكد ممارسة ضغوطا من قبل إسرائيل والولايات المتحدة على بعض الدول العربية والإفريقية ودول أمريكا اللاتينية الأعضاء فى مجلس حقوق الإنسان، لتغيير موقفها من مشروع القرار المتعلق بتقرير جولدستون، وأكدت اللجنة ان ضغوطا اسرائيلية وأمريكية مباشرة وغير مباشرة مورست على السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية تقديرا لأهمية التقرير واستخداماته أو تقدير لنتائج وردود الفعل التى قد تنتج عن تبنى قرار تأجيل التصويت على مشروع القرار.
وأشارت اللجنة ان كل الوقائع والشهادات التى أطلعت عليها اللجنة تؤكد أن القرار النهائى بتأجيل التصويت على مشروع القرار الذى تم اتخاذه وإبلاغه السفير إبراهيم خريشة فى جنيف قد تم من قبل الرئيس الفلسطينى محمود عباس، مؤكدة على ان قرار التأجيل للقرار كان خاطئا وان سبب ذلك يعود إلى الخلل وعدم الوضوح فى الصلاحيات وآليات اتخاذ القرار فى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية.
وفيما يتعلق بالجهود التى بذلتها السلطة ومؤسساتها، بما فيها البعثة الفلسطينية فى جنيف، والتى تكللت بإصدار قرار مجلس حقوق الإنسان الخاص بتشكيل لجنة تقصى الحقائق بشأن الحرب على غزة فى يناير 2009، لاحظت اللجنة ان هذه الجهود التى لم تستمر بشكل منظم وفى إطار مؤسسى، اذ لم يتم تشكيل لجنة من المنظمة أو السلطة لمتابعة العمل بهذا الشأن، باستثناء قرار مجلس الوزراء الذى جاء لاحقا عشية بحث التقرير فى جنيف، كما لم يتم تكليف أطراف محددة لمتابعة الموضوع وشد التأييد لمشروع القرار باستثناء جهود البعثة الفلسطينية فى جنيف مدعومة من مؤسسات حقوق الانسان الفلسطينية العربية والدولية.
وكشف اللجنة فى تقريرها انه لم يتضح لها قيام أى من وزارة الخارجية الفلسطينية أو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أو الهيئات التابعة لها أو مكتب الرئاسة بأية جهود واضحة ومنظمة تتعلق بتقرير جولدستون ومشروع القرار المتعلق بها، مؤكدة عدم قيام أى من الكتل البرلمانية، سواء فى الضفة الغربية أو قطاع غزة، قبل اتخاذ قرار التأجيل بأى نشاط له علاقة بالموضوع.
ورأت اللجنة أن طبيعة العلاقة بين السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، والمتمثلة فى تداخل الصلاحيات أو التنازع عليها وعدم وضوح دور كل منهما فى متابعة هذا النوع من المهام ( قضايا السياسة الخارجية) قد أدت إلى مثل هذا الخلل فى المتابعة وتحمل المسؤولية فى موضوع بهذه الأهمية.
صورة من تقرير لجنة التحقيق الفلسطينية التى شكلها الرئيس محمود عباس أبو مازن
وأكدت اللجنة فى التوصيات التى خرجت بها على ضرورة البحث فى الحيثيات والظروف بقرار تأجيل التصويت على مشروع القرار المتعلق بتقرير جولدستون، وما خلصت إليه اللجنة رفع توصية للرئيس الفلسطينى واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بضرورة تشكيل لجنة عمل وطنية لمتابعة تفعيل تقرير جولدستون وقرار مجلس حقوق الإنسان المتعلق بالتقرير فى مختلف المحافل الإقليمية والدولية ومتابعة تنفيذ التوصيات الواردة فيه وفى قرار المجلس.
وشدد اللجنة فى توصياتها على ضرورة تحصين القرار الوطنى الفلسطينى والمحافظة على استقلاليته ازاء الضغوطات الخارجية من خلال متابعة جهود اتمام المصالحة وإنهاء الانقسام، اعتماد آليات العمل واتخاذ القرار فى إطار هيئات المنظمة والسلطة، وتقدم تقارير دورية من كل جهة متابعة للجهات المسئولة أمامها كمنهج للعمل بدلا من علاقات العمل القائمة على أسس التكليفات الفردية، وذلك فى إشارة للقرارات الفردية التى يقوم بها الرئيس الفلسطينى فى العديد من الملفات.
وفى إشارة واضحة لاستفراد الرئيس الفلسطينى بالقرار، أوصت اللجنة بإعادة ربط المؤسسات والهيئات ( تتبع لمكتب الرئاسى الفلسطينية بسبب الحصار الدولى الذى فرض على السلطة عام 2006 ) بالجهات الرسمية ذات العلاقة، لتخفيف الأعباء الكثيرة المتنوعة التى أغرق بها مكتب الرئاسة تبعا لظروف المرحلة السابقة، داعية الرئيس الفلسطينى لاستخلاص العبر اللازمة بشأن العمل فى مكتب الرئاسة وتعزيز المكتب بالخبرات المهنية اللازمة.
وأشارت اللجنة لوجود خلال فى عمل منظمة التحرير والتداخل فى الصلاحيات بينها وبين السلطة الوطنية الفلسطينية ( أبو مازن وحكومته، اقترحت اللجنة اعتماد آلية عمل تقوم على تفعيل مؤسسات السلطة وتوظيف امكاناتها ووضعها فى خدمة القرارات الوطنية المتخذة فى إطار منظمة التحرير باعتبارها المرجعية العليا، ووضعت تصورا أمام الرئيس الفلسطينى يقوم على أساس تكامل الأدوار بدلا من اقتسام الصلاحيات والتنازع عليها، والذى يقتضى باقرار لائحة تنظيمية لهذه العلاقة التى ترتكز إلى عدد من الأسس أبرزها التزام السلطة الفلسطينية بالسياسات الوطنية العامة المقرة من منظمة التحرير، وتتولى الإدارة اليومية للصلاحيات والمسئوليات المكلفة بها فى الضفة الغربية وقطاع غزة بام فيها القدس.
توصيات اللجنة الفلسطينية التى يشكلها الرئيس أبو مازن
وكشف التقرير الذى قدمته اللجنة مدى الإهمال فى التعاطى مع تقرير جولدستون من قبل مكتب الرئيس أبو مازن ودعم وجود تنسيق كاف بين وزارة الخارجية الفلسطينية مع مندوب فلسطين فى مجلس حقوق الإنسان فى جنيف، حيث أشارت اللجنة فى تقريرها إلى ان لجنة تقصى الحقائق قامت بتسليم تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان يوم الثلاثاء 15 سبتمبر 2009، وتم توزيعه وتسليمه للجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، وأرسل السفير إبراهيم خريشه بتوجيه رسالة إلى مكتب الرئيس الفلسطينى وإلى وزير الخارجية فى اليوم التالى من تسليم التقرير، لكن لم يلتفت أحدا إلى التقرير حتى نهاية سبتمبر 2009 من قبل مكتب الرئيس الفلسطينى أو وزير الخارجية، وهو ما وضع مندوب فلسطين لدى مجلس حقوق الإنسان فى جنيف فى أزمة بسبب غياب التنسيق بينه وبين القيادة الفلسطينية "كانت فى اجازة العيد"، وفقا لتقرير اللجنة.
وكشف التقرير امتثال الرئيس الفلسطينى محمود عباس وأمين سر منظمة التحرير صائب عريقات للضغوطات الأمريكية التى تكثفت نهاية نوفمبر وحتى 1 ديسمبر من قبل قنصل الولايات المتحدة فى مدينة القدس بلقاء رئيس الوزراء الفلسطينى السابق الدكتور سلام فياض، وبعض إجراء عدد من المشاورات والإتصالات أكدت اللجنة فى تقرير ان مندوب فلسطين فى جنيف رجح بشكل كبير التصويت لصالح مشروع القرار وإقراره، لكن الرئيس أبو مازن قرر التأجيل على التصويت على مشروع القرار المتعلق بتقرير جولدستون إلى الدورة الثالثة عشرة لمجلس حقوق الإنسان فى مارس 2010 وهو ما أقره به الرئيس عباس ومستشاره السياسى "الراحل" نمر حماد، وفقا لتقرير اللجنة.
وكشف الدكتور صائب عريقات فى شهادته التى جاءت فى التقرير ان الجانب الأمريكى غاضب للغاية من تقرير جولدستون، مضيفا "الأمريكان يقولون ان السفير يتحداهم وانه من قدم مشروع القرار"، وهو ما نفاه السفير إبراهيم خريشه وأكد ان التعديلات التى يرغب الجانب الأمريكى فى إدخالها على مشروع القرار يستحيل القبول بها لأنها ستفرغ القرار من مضمونه، وبالرغم من تأكيد صائب عريقات أن الرئيس الفلسطينى أصر على انه لا تأجيل ولا سحب لمشروع القرار - هو ما حدث عكسه خلال جلسة مجلس حقوق الإنسان والتى طلب خلالها مندوب فلسطين تأجيل التصويت على تقرير جولدستون - أكدت اللجنة ان تقرير جولدستون يدين إسرائيل بشكل واضح ويتهمها بارتكاب جرائم حرب وهو انجاز عظيم كان سيتحقق للشعب الفلسطينى فى حال تم طرح مشروع القرار للتصويت.
صورة من تقرير اللجنة الفلسطينية التى شكلها الرئيس أبو مازن
وأكدت اللجنة ان اتخاذ قرار تأجيل التصويت على تقرير جولدستون جاء بناء على قرار من الرئيس الفلسطينى محمود عباس، مشيرة إلى أن قرار التأجيل لم يكن يعلم به أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس الوزراء ووزير الخارجية، وهو ما أحدث ارتباك واضح بين المسئولين الفلسطينيين من خلال التصريحات الإعلامية المتناقضة من قبل مسئوبى السلطة، وهو ما يكشف استفراد الرئيس الفلسطينى بالقرار دون التنسيق مع باقى مؤسسات صنع القرار فى فلسطين.
وبعثة الأمم المتحدة لتقصى الحقائق بشأن الحرب على غزة أو ما تعرف لجنة جولدستون هى لجنة تقصي حقائق شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ترأسها القاضى الجنوب أفريقي ريتشارد جولدستون، مهمة اللجنة كانت التحقيق فى دعاوى ارتكاب جرائم حرب قبل حرب غزة وخلالها وبعدها، قاطعت إسرائيل اللجنة منذ البداية، بينما رحبت بها الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة، وتعاونت معها حركة حماس.
أصدرت اللجنة نتائج تحقيقها في تقرير من 575 صفحة، بات هذا التقرير يعرف باسم تقرير جولدستون، أيد التقرير ونتائجه عدد من المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، تم مناقشة التقرير في مجلس حقوق الإنسان أكتوبر 2009، وطلب سحب التقرير من المناقشة من قبل السلطة الفلسطينية وأجل إلى جلسة مارس 2010 وهو ما يكشفه "اليوم السابع" فى تقريره المدعوم بالوثائق امتثال الرئيس الفلسطينى للضغوطات الأمريكية والإسرائيلية.