لم ينقطع العزاء في منزل المغربي محسن فكري، الذي لقى حتفه في غسق ليل يوم الجمعة الماضي، حتى الآن. فالمواسون ‏والمتعاطفون من مدينته الحسيمة، الواقعة على ساحل البحر المتوسط، والمناطق المجاورة جاءوا لتقديم العزاء في الشاب ‏الثلاثيني الذي ألقى بنفسه إلى داخل شاحنة قمامة للذود عن سمكاته التي ألقى بها عامل بلدية وسط النفايات، ليُطحن معها ‏فيتحول إلى ''أيقونة'' للمهمشين‎.‎
 
لا تزال أسرة فكري تعيش صدمة ما جرى. يدقق شقيقه سُهَيل في الوافدين، بينهم جيرانه وأصدقائه، منهم من شاهده ‏مرة، وطائفة أخرى لم يراها طيلة حياته. متأخرًا أدرك سُهيل بالواقعة، حين تلقى اتصالًا من شريك أخيه في تجارة الأسماك. ‏أبلغه بالمشادة التي وقعت مع رجال الأمن والبلدية، وطالبه بالحضور مسرعًا حتى يتثنى لهم إنهاء الموقف.‏
 
يقول سُهيل في اتصال هاتفي مع مصراوي: ''عرفنا بالخبر عبر التليفون. وصلت متأخرًا. كان قد وقع ما وقع!.''‏
 
لملّم سُهَيل بقايا أخيه من بين فضلات شاحنة القمامة. تحسر على حاله أن يلقى مصيرًا لم يكن في مُخيلته يومًا. تنهد قبل أن ‏يحكي تفاصيل ما جرى. يقول ''خرج بأسماكه من الميناء ليبيعها في مكان آخر. في طريقه أوقفته الشرطة بداعي فساد ‏بضاعته. ألقت بها إلى سيارة الزبالة. احتج بشدة على هذا الموقف، فهم كانوا يريدون أن يتلفوها في الشاحنة، وحفاظًا ‏على رزقه ألقى بنفسه إلى داخل السيارة قبل أن يأمر رجل الأمن بتشغيل محرك الفرم وكان ما كان‎''.‎
 
‎''‎كان إنسانًا عاديًا. يمزح ويعمل، يجمع بين الجد والهزل''، يتذكر سهيل أخيه ابن حي إمزورن في مدينة الحسيمة. امتهن عدة ‏أعمال في البحرية، قبل أن يدخل شريكًا مع أحد أصدقائه في تجارة الأسماك.‏
 
‏''كان أعزبًا، سخيا كريما يحب المزاح ومنفتحًا مع الآخرين‎''.‎
 
واندلعت مظاهرات حاشدة منذ مطلع الأسبوع وتواصلت حتى يوم الاثنين في أغلب المدن المغربية تنديدا بـ''الطريقة ‏المأساوية'' التي توفي بها ''بائع السمك''. لم يتخيّلها سُهَيل ولم يعرف أخبارها إلا من وسائل الإعلام، حتى أنه لم يشارك في ‏الاحتجاجات. يقول ''نحن في حالة عزاء. لا وقت للمشارك في المظاهرات. أتابعها فقط من الأخبار. ندرك أن هناك آلاف ‏المتعاطفين معنا‎''.‎
 
وأصدر الملك محمد السادس تعليماته لوزير الداخلية، محمد حصاد، يوم الأحد بالتوجه لمدينة الحسيمة لتقديم التعازي والمواساة ‏إلى عائلة فكري بالنيابة عن القصر، نظرًا لتواجده خارج البلاد في جولة إفريقية. يُشير سُهيل إلى أن وزير الداخلية وعد ‏أسرته بتحقيق شامل في الواقعة، وأن المسؤول سينال عقابه، وسيتوصلون لأسباب الحادثة‎.‎
 
وذكرت مصادر حقوقية لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، أن ثلاثة مسؤولين بمدينة الحسيمة المغربية اعتقلوا، على خلفية ‏تحقيقات انطلقت منذ أيام بخصوص ملابسات مقتل فكري، هم قائد المقاطعة الرابعة بمدينة الحسيمة ونائبه وكذلك الطبيب ‏البيطري الذي أصدر تقريرا بفساد الأسماك.‏
 
كما أطلق سراح أصدقاء محسن الثلاثة بعد الاستماع إلى أقوالهم حول الواقعة بصفتهم شهودا، بحسب الوكالة.‏
 
يؤكد شقيق ''بائع السمك'' أن لهم مطلبًا واحدًا هوّ إجراء تحقيق نزيه في الواقعة، والقصاص من المسؤولين عنها أيًا كانت ‏مواقعهم في الحكومة‎.‎
 
واكتظت شوارع الحسيمة بآلاف المحتجين، ورددوا هتافات مُناهضة للنظام، حسبما ذكر محمد الياخلوفي، من شباب المدينة.‏
 
قال الياخلوفي لمصراوي عبر فيسبوك يوم الأحد، إن ''المظاهرات كانت حاشدة بالغاضبين وتُقدّر بنحو 10 آلاف متظاهر. ‏رفعت شعارات قوية مثل 'الخونة في القصور والشهداء في القبور' و 'المخزن سير فحالك ريح ماشي ديالك' و'قتلوهوم ‏عدبوهوم ولاد شعب يخلفوهوم‎'‎‏.''‏
 
ودوّن الآلاف من المغرب ودول أخرى على مواقع التواصل للتنديد بمقتل بائع الأسماك، وذيلوا تغريداتهم بهاشتاج ‏‏''#طحن_مو'' التي تعني بالعربية الفصحى ''أقتل امه'' - من بين هاشتاجات أخرى -؛ تلك الكلمة التي رددها رجل الأمن، ‏بحسب مقطع مصور انتشر على الانترنت، ليأمر عامل البلدية بتشغيل آلة فرم القمامة.‏