في عنوان يحمل دلالة واضحة وموقفا جليا عما يدور في كواليس السياسة العالمية بما في ذلك الفارق بين ما يدور في العلن وفي الخفاء من الحكام العرب‏,‏

يحمل الدكتور محمد البرادعي الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية مسئولية تقديم شهادة من الدرجة الرفيعة  عما عاصره في المنظمة العالمية علي مدي12 عاما. من دبلوماسية محترفة وخداع ومؤامرات ومواقف متعنتة من الكبار والفاشلين علي الساحة الدولية, حيث يستهل المقدمة بعبارة ساعدنا.. نساعدك التي وجهها لناجي صبري وزير خارجية الرئيس العراقي السابق صدام حسين علي مائدة عشاء في بغداد ذات مساء في عام.2003 في نسخة مبكرة من الطبعة الإنجليزية لمذكرات البرادعي التي تصدر بعد غد- الثلاثاء- باسم عصر الخداع عن دار نشر متروبوليتين بوكس في نيويورك يقدم السياسي المصري المرموق شهادة عن السياسة المصرية الخارجية في الفترة الحالكة للسياسة العالمية بعد هجمات سبتمبر وما تبعها من غزو العراق والبرنامج النووي الإيراني والأزمات الليبية العديدة مع المجتمع الدولي. وقد شن البرادعي هجوما علي إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ودعا إلي فتح المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في حرب لم يكن لها داع في العراق والقيام بعملية تشويه بشعة قبل شن الحرب ضد بغداد بالإدعاء بملكية العراق لأسلحة دمار شامل رغم أن الأدلة التي جمعها البرادعي والمفتشون الدوليون الأخرون لم تثبت ذلك. ويتهم البرادعي بوش بالاحتيال علي المعلومات ومنها ما ورد في تقرير رفعه بنفسه إلي مجلس الأمن في يناير عام2003 يشير إلي أن المفتشين الدوليين يعتقدون ان ما عثروا عليه في العراق من قضبان الألومنيوم ليست لتخصيب اليورانيوم بغرض إنتاج قنابل نووية.. ولكن هي خاصة بتصنيع قدائف مدفعية وهو ما تجاهله بوش في خطاب في اليوم التالي وكرر الإتهامات السابقة في الثامن والعشرين من يناير.2003

ويقول البرادعي ان المحكمة الدولية يجب أن تقرر ما إذا كانت الحرب شرعية من عدمه بعد أن أزهقت ارواح أكثر من100 الف عراقي في الوقت الذي لم يكن التهديد وشيكا. ونقتطف بعض المواقف بين البرادعي والنظام السابق من خلال مواجهات ومواقف متصلة بالقضايا التي طرحت علي مائدة الوكالة الدولية خلال سنوات رئاسة السياسي المرموق للوكالة(1997-2009).

مبارك وصدام والطريق إلي حرب العراق

ويسرد البرادعي في الفصول الثلاثة الأولي ما حدث من مقدمات تمهد للحرب ضد العراق ثم نصل إلي روايته عن القمة العربية في شرم الشيخ في الثاني من مارس عام2003 حيث يقول أن القمة العربية الطارئة كانت سركا من الخلافات والتطاول المؤسف حيث كان هناك مقترح شامل بإرسال وفد إلي بغداد من أجل طرح حلول لوقف الحرب فيما سعي البعض إلي إقناع صدام بالإستقالة في الوقت الدي عرض الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان رئيس دولة الإمارات اللجوء السياسي علي الزعيم العراقي لحفظ ماء وجهه أمام العالم. ويقول البرادعي أن هناك حكاما عربا لم يكن لديهم رغبة في إتمام صفقة مع صدام وكانوا مؤيدين للحرب من بينهم الرئيس السابق حسني مبارك.. ويقول إنه في مرحلة مبكرة من جهود حل الأزمة العراقية إلتقي بمبارك والذي كان فيما يبدو يحمل ضغينة شخصية ضد الرئيس العراقي حيث دأب علي القول-خلال اللقاء- أن صدام قد ورطه في حرب الخليج الأولي, وقال أن صدام أقدم علي غزو الكويت بعد ان وعده بالعكس. ويقول البرادعي أن المناقشة مع مبارك تناولت شأنا أكثر إتساعا بالحديث إلي الرئيس السابق عن ضرورة أن يقود موجة التحديث والإعتدال في العالم العربي وقوله لمبارك لو حدث ذلك.. سوف تحصل مصر علي دعم سيتدفق مع كل جانب عليها سواء سياسيا أم إقتصاديا. وطلب البرادعي من مبارك أن يتدخل لإقناع الرئيس العراقي لتحسين مستوي تعاونه مع الأمم المتحدة ورد مبارك أنه تلقي رسالة من صدام حسين تقول لا تقلق. كل شئ علي ما يرام ثم سرب مبارك معلومة صغيرة مفادها أعلم ان صدام لديه أسلحة بيولوجية ثم أردف وهو يخبئ تلك الأسلحة في المقابر. ويقول البرادعي: كانت تلك المرة الأولي والأخيرة التي أسمع فيها تلك الشائعة. وفي ظل الأجواء الملتهبة التي صاحبت تحضيرات القمة العربية, غضب الشيخ زايد بشدة من عمرو موسي أمين عام الجامعة العربية لأنه لم يدرج علي جدول الأعمال مقترح منح صدام حق اللجوء السياسي في الإمارات لسبب ما. كما أجهضت فكرة إرسال وفد من الجامعة إلي بغداد) ص65(. ويقول البرادعي إن غياب الموقف العربي الموحد لم يجعل للحكام العرب كلمة أو تأثيرا في الحرب التي شنت في قلب المنطقة العربية فيما عدا- في بعض الحالات- تقديم تسيهلات وفتح القواعد العسكرية للقوات الأمريكية. ويضيف أن قادة عالميين معروفين بمواقفهم العملية فشلوا في بسط نفودهم الدبلوماسي مثل الرئيس الفرنسي جاك شيراك الدي كان مخالفا لمبدأ بوش من ليس معي, فهو علي حتي أن الرئيس الفرنسي قال للبرادعي بشكل صريح تعرف لماذا لم تحصل علي معلومات.. لأنهم لا يملكون شيئا- في إشارة إلي حيازة العراق علي اسلحة الدمار الشامل. ويروي البرادعي عن لقاء مع توني بلير رئيس الحكومة البريطاني السابق في مقره الرسمي حيث أبلغه البرادعي بأن الذهاب إلي الحرب في العرق سوف يؤدي إلي توترات إقليمية وفي مقدمتها أن التصور في الشرق الأوسط هو أن التركيز علي العراق ليس بسبب أسلحة الدمار الشامل ولكن بسبب أن العراق بلد عربي ومسلم ولذلك ليس مسموحا له بحيازة أسلحة من هدا النوع- مثل إسرائيل. وقال أن بلير أعرب عن قلقه من عدم التعامل مع القضية الفلسطينية إلا أن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وعد بالتعامل مع القضية فور الإنتهاء من العراق.

البرادعي والبرنامج النووي المصري

في فصل يحمل عنوان المعايير المزدوجة يروي البرادعي ما حدث من حوارات ومشاورات بين الوكالة الدولية والحكومة المصرية ويقول أن تعامله مع حالات التحقق النووي المعقدة- علي المستوي الدولي بشكل عام- اتسم بتقسيم الأمر إلي ثلاثة أنواع الأول هو حيازة المعرفة للجوانب المختلفة من التكنولوجيا النووية وهو أمر سهل في ظل العولمة والنوع الثاني هو القدرة التصنيعية وهو يتصل بالقدرة علي تخصيب اليورانيوم أو فصل البلوتونيوم, والنوع الثالث هو نوايا المستقبل لدي الدول المختلفة وهي يصعب التحقق منها. عن مصر, يقول البرادعي أن الوكالة الدولية واجهت حالة مماثلة من القيام بتجارب نووية غير معلن عنها وقامت الوكالة بمراقبة المنشور في الدوريات وبعض المصادر الأخري المفتوحة او المتاحة كجزء من عملية التقييم المتواصلة الدورية للملف النووي المصري مثل الدول الأخري. وفي عام2004, ظهر في عدد من الدوريات أن العلماء المصريين قاموا بتجارب متنوعة لم يتم ابلاغ الوكالة عنها. وقد قامت الوكالة بالإتصال بالسلطات المصرية ثم جرت عملية تفتيش متوالية وكانت المشكلة في غياب المراقبة والسيطرة فضلا عن وجود إهمال وإرتباك. ويقول أن منشآت مفاعل انشاص التي شهدت بعض التجارب كانت في حالة متدهورة وهناك غرف لم يتم فتحها لسنوات معدات بملايين الدولارات لم يتم استخدامها, وقد تم إبلاغه من جانب مفتشي الوكالة- أن المصريين يحاولون تعطيل عملية التفتيش من أجل الحصول علي فسحة من الوقت لتنظيف المكان. ولم يكن رئيس هيئة الطاقة الذرية المصرية علي علم بمواد ومعدات موضع تساؤل وشعر الرجل بالحرج.. في الوقت نفسه لم يكن هناك مؤشرات علي حيازة مصر برنامجا نوويا الا أن شكل السلطات المصرية هو الذي لم يكن جيدا. وتضمن تقرير2005 فشلا مصريا في الابلاغ عن التجارب وهو مدعاة للقلق والتحقق بطبيعة الحال, ثم حدث بعد عام واحد أن خرج الحزب الوطني في إجتماع لأمانة السياسات التي كان يرأسها نجل الرئيس السابق جمال مبارك ليعلن الإبن أن مصر يجب أن تطور برنامجا للطاقة النووية.. وكانت النتيجة حمي من المناقشات والتوقعات ووسائل الإعلام المصرية أدلت بدلوها من حيث الترويج إلي أن حيازة مصر للتكنولوجيا والعلوم النووية سيمكن مصر من تحقيق التكافؤ مع البرنامج النووي الإسرائيلي. ويصف البرادعي التغطية- في الإعلام الدي تسيطر الدولة عليه في حينه- بأنها كانت خليطا محبطا من الجهل والإحتيال والفشل. ويكشف البرادعي أن اللقاء الرسمي الأول الذي جمعه- بعد الاعلان السابق- بمسئول مصري جاء في عام2007 عندما إلتقي بوزير الكهرباء السابق حسن يونس وأبلغه ان مصر لم تتصل بالوكالة من اجل تقديم المشورة والخبرات وهي خطوة معتادة لأي دولة تريد تطوير برنامج للطاقة النووية. ويوضح البرادعي أن يونس أبلغه أنه لم يتم اتخاد أي قرار في شأن البرنامج المصري وأن مصر مازالت في مرحلة الدراسات وأن الشركة الإستشارية هي بكتيل كوربوريشن الأمريكية. ويقول البرادعي أنه أبلغ حسن يونس أن تلك ليست الطريقة التي يجب أن تسلكها مصر وأقل ما يجب عمله هو الإتصال بالوكالة الدولية حتي يمكن أن تمنح المصريين تقييما وطنيا موضوعيا للطاقة ولتقييم جوانب الأقتصاديات والأمان والبيئة. وأبلغه إن أي دولة أخري سوف تفعل الشئ نفسه ويقول كنت صريحا تماما خاصة وان الأمر يتعلق بمعايير الأمان, وذكرته بتاريخ مصر مع حوادث القطارات والعبارات وحتي سجلها في ضمانات الامان النووي غير جيد. وقد ابلغت الوكالة مصر قبل أكثر من20 عاما أن قانون الحماية من الأشعاع لا يرقي إلي المعايير الدولية. وقد اصيب مصريون نتيجة التعرض للإشعاعات ولم يتم تحديث القانون وفقا لتوصيات الوكالة الدولية. ويقول البرادعي أنه أبلغ حسن يونس أن مسألة الطاقة النووية لا يجب أن تأخد بخفة وقبل أن تشرع مصر في إقامة مفاعل نووي يجب أن توفر الإطار القانوني وعناصر الأمان وبنية الموارد البشرية. ويقول البرادعي أن حسن يونس كتب إلي الوكالة من أجل طلب المساعدة وفي المقابل أبدي مدير الوكالة سعادته بتقديم الدراسات لمساعدة التصور المصري وفقا لطرق علمية ومنهجية. وقد اظهرت دراسات سابقة للوكالة أن المفاعلات البحثية المصرية الموجودة بالفعل غير مستغلة علي نحو كبير. ومن اجل أن تستفيد مصر بتطوير العلوم والتكنولوجيا النووية ونيل استحقاقات الطاقة النووية عليها أن تشغل المنشأت الموجودة بالفعل بأقصي طاقة ممكنة. ويقول أنه سنحت له فرصة التأكيد علي تلك الأمور في لقاء مع وزير التجارة والصناعة السابق رشيد محمد رشيد في منتدي دافوس, وحيث الأهم في مسالة حيازة الطاقة النووية هو عدم التسرع والحصول علي دراسات جدوي ملائمة, بما فيها حساب المتوافر من الغاز والبترول والموقع والتمويل. وأبلغ البرادعي رشيد ما يلي حتي لو قررت أنك تحتاج إلي طاقة نووية.. ربما تحتاج إلي عقد كامل من اجل بناء البنية التحتية الضرورية فقط. ويضيف أن رشيد أبلغه انه سوف يبلغ الرسالة للرئيس ثم يقول البرادعي أن الخطاب الإعلامي قد اصبح أكثر توازنا حول التكنولوجيا النووية بعد فترة من حواري مع رشيد.

وتناول البرادعي الأزمة بين الوكالة والحكومة المصرية في عام2009 عندما وجد فريق من الوكالة اثار جسيمات يورانيوم عالية التخصيب في عينة بيئية من مركز ابحاث انشاص. واوضحت مصر أن المصدر يعتقد أنه تلوث من حاوية مستوردة. وقد قام مسئول في الوكالة برفع تقرير لمؤتمر المراجعة النووية دون ان يبلغ البرادعي وهو ما ردت عليه مصر بتقرير يتهم الوكالة بتقديم معلومات غير دقيقة من الناحية الفنية في مؤتمر يحمل صبغة سياسية ثم اتهم المتحدث بإسم الخارجية الوكالة بالإعتماد علي عينة جسيمات قديمة إلا أن الهيئة المصرية خرجت في اليوم الثاني لتقول أنها تعمل مع الوكالة الدولية لإستجلاء مصدر الجسيمات! ويقول البرادعي أن تناول الشأن المصري مع الوكالة كان يمثل أمرا دقيقا للغاية لشخصه حيث كان المصريون) المسئولون هنا( يرون أنه يقسو أكثر عليهم ربما من أجل إثبات مصداقية الوكالة, فيما كان الإعلام الغربي يلمح من وقت إلي أخر بأن البرادعي لين في التعامل مع مصر. ويؤكد البرادعي أنه سعي إلي اتخاد القرارات في أكبر أطار ممكن من الحياد والموضوعية. وفي مقابلة مع سفير مصر لدي الوكالة الدولية ايهاب فوزي أبلغه البرادعي- بعد أن شعر بالغضب من رسالة الحكومة المصرية- إن مصر لم تملك حتي سلطة مختصة تملك معرفة شاملة حول المواد والأنشطة النووية في البلاد. ويضيف أنه أبلغه بأن علي مصر أن تطلب المساعدة من أجل تنظيم البيت من الداخل ثم طلب سحب الخطاب الموجه إلي الوكالة رسميا وإلا سوف يبلغ مجلس الوكالة بالوضع في مصر. ويوضح البرادعي أن السفير فوزي عاد بعد يوم واحد بخطاب أخر دون لهجة حادة تشكك في نوايا الوكالة الدولية ثم ردت الوكالة بالصيغ المحترفة العملية التي تبغي المساعدة الفنية. ويرجع المدير السابق للوكالة الدولية المسعي للحصول علي الطاقة النووية إلي تداعيات الإعلان عن البرنامج النووي الإيراني وهو الذي دفع أنظمة عربية إلي محاولة إثبات نفسها علي الساحة في الشرق الأوسط.