ما أن تهدأ نيران الفتن العرقية داخل إثيوبيا حتى تشتعل مُجددًا، منذرة بحروب أهلية قريبة تدق أبواب عاصمتها أديس أبابا وتهدد نظامها الحاكم، لاسيما أنها في كل مرة تقابل بقمع وانتهاكات عنيفة من قبل الحكومة الإثيوبية تجاه المحتجين، إلا أنها تلك المرة تحمل بشرة خير إلى مصر.
"اضطرابات الأورومو"
دبت في العاصمة الإثيوبية، أمس السبت، احتجاجات وصفتها الصحف العالمية بإنها الأعنف في تاريخها، و تمثل أكبر تهديد للاستقرار الإثيوبي منذ عام 1991، بعدما شهدت موجة تظاهرات قوية من شعوب "الأورومو"، المجموعة العرقية الأكبر فى أثيوبيا؛ بسبب اتخاذ الحكومة الأثيوبية قرار بتوسيع العاصمة لتضم مناطق من أراضى "الأورومو"، واستخدام الحزب الحاكم وسائل عنيفة لقمعها.
فمنذ 9 سنوات ويشعر شعب "الأورومو" بالحنق من سيطرة مجموعة "التجراي" العرقية التي تمثل 6% فقط من الشعب الأثيوبي، على المناصب الحكومية والعسكرية والأعمال التجارية، ولكن انضمت له بالأمس مجموعة "الأمهارا" في التظاهرات المطالبة بمشاركة السلطة وتوقف مصادرة الأراضي والفساد.
ودومًا ما تواجه الحكومة تلك الاحتجاجات المتكررة بالعنف، حيث قتلت قوات الأمن أكثر من 600 مواطن منذ نهاية العام الماضي، كان آخرها إطلاقها النار على تجمهر لشعب الأورومو، انتهى بمقتل أكثر من 55 مواطنًا، ما يهدد إثيوبيا بالدخول في حرب أهلية.
"تكوين الشعب الإثيوبي"
تجدد الصراعات العرقية داخل إثيوبيا كل فترة، يعود إلى تعدد فئات وانتماءات الشعوب داخلها، حيث يعيش بها نحو 100 مليون نسمة، مقسمين إلى حوالي 70 مجموعة عرقية، على مساحة تبلغ 1.127.127 مليوم كم مربع، مما يصعب عملية إدارة البلاد على النظام الحاكم.
وتصنف هذه الجماعات وفق معايير اجتماعية سياسية تاريخية، حسب مقدار نفوذها، ووزنها النسبي وقدرتها على لعب دور سياسي، ولكنها تقسم في أساسها إلى ثلاث مجموعات كبيرة؛ هي الأمهرة، والتيجراي، والأوروميين، فضلا عن جماعات أخرى أقل حجمًا.
وتندلع التظاهرات في كل مرة اعتراضًا على السياسات الحكومية، ومحاولتها للاستيلاء على أراضي شعب "الأمورو" دائمًا، وترد الحكومة الإثيوبية كالعادة باتهام المحتجين بالخيانة والارتباط بالمتمردين والإرهابيين، وتتصدى لهم قوات الأمن بعنف مفرط .
"أين يعيش الأمورو؟"
تلك الفئة التي تعاني من اضطهاد اجتماعي، وتشعل احتجاجات إثيوبيا حاليًا، تعيش داخل منطقة "أوروميا" وهي واحدة من الولايات الإثيوبية التسعة التي تحظى بحكم ذاتي، تمثل حوالي 49.34% من عدد السكان، وينتمي أبناؤها إلى الإسلام السني "المذهب الشافعي"، وحسب المنظمات الحقوقية هي الأكثر تهميشًا واضطهادًا بشكل منهجي من قبل الحكومة الإثيوبية.
وتعد القومية الأورومية أبرز القوميات الإثيوبية التي تعارض الحكومة، وتكافح ضد نظام حكم أقلية، ويقود هذا النضال المسلح "جبهة تحرير أورومو"، التي تأسست عام 1973.
"إثيوبيا الأكثر قمعًا"
ويحبس النظام والحكومة الإثيوبية أنفاسهم مع اشتعال الاحتجاجات في كل مرة، خوفًا من سيناريو سقوط النظام، وهو ما يظهر في الملاحقات القوية التي تشنها الحكومة، حيث تعتبر منظمة "هيومن رايتس" أن إثيوبيا ثاني أكثر بلد أفريقي قمعًا، لا يوجد بها تمثيل عادل في الحكم.
ورصد تقرير للمنظمة في يونيو الماضي، مقتل 400 إثيوبي خلال الاحتجاجات الأخيرة، واعتقال المئات من عناصر المعارضة، ووجود 20000 سياسي أورومي، يقبعون في السجون الإثيوبية منذ شهر مارس 2014، بعدما شنت الحكومة الإثيوبية حملة قمع وحشي ضدهم.
"سد النهضة"
لكن ما يدفعنا إلى الاهتمام باحتجاجات إثيوبيا والسيناريوهات التي تحيطها، والحديث عن شعب "الأمورو"، هو أزمتها الكبرى مع مصر بشأن سد النهضة الذي تعكف أديس أبابا على بناؤه، في الوقت الذي تواصل فيه مصر المفاوضات السلمية معها.
فخطورة تلك الاحتجاجات تظهر جلية في مفاجأة فجرها تقرير صحيفة "فاينانشيال تايمز" صباح اليوم، التي أكدت أن الغضب الذي يغطي منطقة شعب "الأورومو" يمثل ضربة لجهود الحزب الحاكم التنموية ومنها انشاء سد النهضة الذى بات وشيكًا على الانهيار.. فهل تصب تلك الاحتجاجات في صالح مصر؟.
"خطورة بناء السد"
يقول الدكتور هاني رسلان، رئيس وحدة دراسات حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الاحتجاجات أمر معتاد في إثيوبيا، وليس بعيدًا عن تركيبة الدولة التي تعاني من صراعات عرقية طاحنة، وتهديدات إرهابية مسلحة، فكل مجموعة تدشن لها جبهة مسلحة تحميها من الحكومة الإثيوبية التي تتعامل بـ"غباء" سياسي مع أزمات المحتجين.
ويضيف: "بالطبع اضطراب الوضع في إثيوبيا يعرق خطط استكمالها للسد ويصب في صالح مصر، لأنها ستنشغل في فض النزعات بها عن الاهتمام بأمر السد سواء على مستوى المفاوضات أو استكمال البناء، لاسيما إذا امتدت تلك النزاعات إلى حروب أهلية وهو أمر متوقع حدوثه بشدة".
ويشير إلى أن اتساع نطاق الاحتجاجات سيدفع بالنظام لترتيب أولوياته، البحث عن حلفاء ومساندين له في المنطقة، ويدفع النظام الإثيوبي إلى التقرب من مصر والسعي إليها، وتسوية نزاعاته معها على صعيد سد النهضة، ما يضمن مساندة القاهرة لأديس أبابا، لأن الحروب الأهلية عادة تنتهي بسقوط الأنظمة لاسيما حين تجد التظاهرات صدى وتأييد عالمي لها".
"استكمال البناء"
أما الدكتور أيمن شبانة، أستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، يرى إن الاحتجاجات الإثيوبية في إقليم "أوروميا" ممتدة منذ سنوات، وليست وليدة اللحظة، وتحدث بشكل متقطع من قبل جماعة الأورومو، التي تبلغ ما يقرب من 40% من سكان إثيوبيا.
ويؤكد أن الوضع في إثيوبيا قد ينقلب إلى حرب أهلية تفيد مصر، لاسيما أن إثيوبيا تحاول شغل المواطنين في بأن هناك خطر خارجي وهو مصر، التي تمنع مشروعاتها الكبرى مثل "سد النهضة"، لكن اتساع الاضطرابات يؤثر بشكل كبير على استكمال بناء السد.