كنت قد شرعت في كتابة مقال عن المنظومة الأمنية في مصر , وفي أثناء ذلك وقعت عيني على مقال للزميل الأستاذ رضا حماد في جريدة الدستور الإلكترونية , فوجدت هذا المقال قد جمع تقريبا كل الأفكار التي أريد أن أكتبها , فرأيت أن أضعه بين يدي القراء الأعزاء هنا في الموقع . رضا حماد يكتب: خطوات لهدم البناء العائلي وتطهير جهاز الشرطة رضا حماد من المرات النادرة في التاريخ المصري الحديث أن يُمتدح وزير داخلية من أطياف معارضة ذات توجهات متباينة، رغم غياب الأمن بدرجة وأخرى، فلا أحد يشكك في إخلاص اللواء منصور العيسوي ورغبته في إعادة الاستقرار والأمن للشارع، لكن ظاهر الحال يؤكد أن الرجل لم يتخذ ما يكفي من إجراءات تعيد الأمن والاستقرار، والسبب في ظني أنه لا يدرك طبيعة التغيرات التي طرأت على جهاز الشرطة، وفي مقدمتها البناء شبه العائلي، وحجم الفساد الذي استشرى خلال العشرين سنة الماضية. مشكلة جهاز الشرطة أن رجاله لا ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم موظفين مهنيين شأنهم شأن بقية موظفي الدولة، ومشكلتنا نحن أبناء الشعب، أننا نصر على ترديد مقولات لا نؤمن بها ولا نصدقها، فالذين انتهكوا أعراض الناس وأهانوا كرامة المصريين وقتلوهم في أقسام الشرطة مجرد قلة، والمرتشين الفاسدين في المرور والسجون والأقسام مجرد قلة، والمتعجرفين المتعالين الذين يجاملون الأقارب والمحاسيب على حساب القانون مجرد قلة. لازلنا نتمسك بهذه المقولات الخائفة المرتعشة، رغم قيام الثورة وتواصل مسلسل مؤامرة الانفلات الأمني، واستمرار عصيان أعداد غير قليلة من السادة الضباط إما بالغياب المطلق عن للعمل أو بالحضور والعمل بطريقة "خلي الجيش ينفعهم". أعرف أنني سأُتهم بمعاداة الشرطة والتحريض ضدها والوقوع في التعميم لأن الغلبة للشرفاء، وأن الفساد لم يضرب بجذوره في وزارة الداخلية، فقط مجرد حالات فردية يمكن القضاء عليها وإصلاح المنظومة. لن أدفع عن نفسي أية اتهامات، فليس لي عداوة مع الشرطة كمؤسسة أو أشخاص، عدائي الوحيد مع نظام فاسد يأبى أن يسقط كلياً، وتنهار قيمه المسئولة عن فساد مؤسسات الدولة وعلى رأسها جهاز الشرطة وحرفه عن مساره الصحيح، عدائي مع أولئك الذين يصرون على استغفالنا ببعض التغيرات الطفيفة دون المساس بهيكل بني على الفساد والمحسوبية. هناك مفهوم دولي للفساد المرتبط بأجهزة الشرطة يحدد اثنين وعشرين نوعاً من الممارسات إذا أتاها رجل الشرطة يعتبر فاسداً ويستحق العقاب، تبدأ هذه الممارسات بالمحاباة وتنتهي بالتورط في نشاط إجرامي وبين هذا وذلك توجد الرشوة، واستغلال النفوذ، وغسيل الأموال، والتلاعب بالقانون لتحقيق مصالح شخصية، كأن يسعى ضابط إلى التعاون مع الخارجين على القانون ويقدم لهم الحماية بدعوى الحصول على معلومات، لكن الدوافع الحقيقة وراء هذا التعاون هي إنجاز أكبر عدد من القضايا للحصول على ترقية سريعة أو اكتساب رضا الرؤساء. لن أخوض كثيراً في نظريات عن الفساد وأسبابه ومخاطره، لكنني أسأل كل من يرددون هذا الكلام، هل هناك رجل شرطة لم يجامل قريب أو صديق؟ هل التحق طالب بكلية الشرطة من دون واسطة أو تقرير من أمن الدولة ؟ ناهيك عن الفساد بأشكاله التقليدية من قبول الهدايا والرشاوي والتعذيب والتعالي على الناس. بالنظر إلى الدوافع المتفق عليها دولياً بشأن الفساد المرتبط بأجهزة الشرطة، فمنها ما هو شخصي يتحدث عن حب الأنا وشهوة السلطة والمال، وهي أشياء لا تعنيني كثيراً في هذا المقال، ومنها ما يتصل بالمؤسسة والبيئة والظروف التي يعمل فيها رجال الشرطة، وفساد اختيار الطلاب على أسس تسوده المحسوبية وتغيب عنها قيم العدالة والمساواة، ثم أخيراً غياب المحاسبة وعدم شعور رجل الشرطة بأن الخروج على القانون يهدد مستقبله وهذا هو جوهر المشكلة. أعتقد أن هذه الظروف كانت حاضرة في جهاز الشرطة ولا تزال طيلة الثلاثين عاماً الماضية ومن يريد الدليل يتأمل في كشوف أسماء عائلات الضباط، وأعداد الذين تربطهم صلات قرابة من الدرجتين الأولى والثانية في جهاز الشرطة، وبالتالي لا علاج لهذا الخلل إلا بسياسة تطهير حقيقية وجادة لا تقتصر على الأشخاص بل تمتد للنظم والقواعد التي استقرت سنوات طويلة، وتلك أمور تتطلب وقتاً طويلاً ورؤية شاملة للإصلاح. أما بالنسبة للحظة الراهنة، فهناك إجراءات إصلاحية واجبة وعاجلة حتى يعود الاستقرار، فالنشاط الاقتصادي لن يعود قبل أن يسود الأمن ويتحمل رجاله مسئولياتهم بإخلاص وتضحية لا بطريقة "خلي الجيش ينفعهم"، وإحساس الحكومة بالضعف وقلة الحيلة لن ينتهي طالما بقي الأمن غائباً. لست أدري لماذا التمسك بنفس القيادات التي عملت طيلة السنوات الماضية لحماية النظام الساقط وتورطت في قمع الثورة، هل يعقل أن يكون مدير أمن الجيزة الحالي متهماً بالتحريض على قتل الثوار في القليوبية، فقط لأن كل ما أنجزته الثورة هو نقل هذا اللواء من القليوبية إلى الجيزة، هل يمكن أن نصدق أن مواقف وعقائد هؤلاء تغيرت بين عشية وضحاها، هل ننتظر من مدير أمن أو ضابط كبير مهدد بالسجن بسبب الثورة أن يمنع إجهاضها ؟ إن الذي يحدث نوع من العبث والاستغفال والضحك على الذقون فهؤلاء جميعاً هم الثورة المضادة وإن بالصمت المريب. من هم أصدقاء ومعارف ومحاسيب قيادات الداخلية في النظام السابق إنهم نفس الأشخاص الذين يعتقد كل المصريين أنهم الثورة المضادة، نفس جماعات المصالح التي تحالفت مع صفوة قيادات الداخلية في زمن العادلي، لا أظن أن هذه الصلات القديمة انتهت فبعضها يرتبط بمصالح و"بزنس" يستحق تحقيقاً موسعاً من هيئة مستقلة يشكلها وزير الداخلية وتعني بكشف ملفات القيادات الكبيرة في الأمن الجنائي كما في أمن الدولة. هناك خطوة أساسية على طريق الإصلاح وإنهاء الانفلات الأمني تبدأ بإزاحة القيادات القديمة التي تصدرت المشهد طيلة السنوات الماضية، والدفع بقيادات أصغر سناً بعيدة عن الشبهات وتحميلها كامل المسئولية عن تحقيق الاستقرار، وإعادة الأمن للشارع ، اقصد هنا إقالة كافة قيادات الصف الأول من مدراء الأمن ومساعديهم ومديري الإدارات الرئيسية ومساعديهم وبعض القيادات العليا النافذة في وزارة الداخلية، مع اتخاذ بعض التدابير التي تحول دون ممارسة أي شكل من أشكال التحريض أو التآمر. ولدرء المفاسد عن هذه القيادات الجديدة يجب أن يتنازلوا عن المخصصات التي يحصل عليها رجال الصفوة من قيادات الداخلية وهي للعلم مخصصات فلكية تصل إلى مئات الألوف من الجنيهات في الشهر، على أن يعاد توزيع هذه المخصصات على كافة العاملين في الإدارة أو مديرية الأمن دون استثناء بين ضابط وشرطي. الخطوة الثانية تتصل بسد العجز الواضح في عدد الضباط وهي في الوقت نفسه خطوة لإعادة هيكلة جهاز الشرطة وإنهاء البناء العائلي السائد بالمحسوبية والواسطة، وتقضي هذه الخطوة باستدعاء خريجى كليات الحقوق من مختلف الجامعات المصرية الذين أنهوا الخدمة العسكرية مؤخراً كضباط احتياط لا كجنود، وإخضاعهم لدورة تدريبية مكثفة في العلوم الشرطية ثم دمجهم في مختلف إدارات جهاز الشرطة خلال شهرين أو ثلاثة أشهر بحد أقصى. وجاهة هذا الاقتراح، أنه خطوة مهمة على طريق إعادة هيكلة جهاز الشرطة اجتماعياً والتخلص من الطابع شبه العائلي الذي بدا يطغى منذ أصبح القبول في كلية الشرطة ممنوعاً على أبناء الطبقة المتوسطة ودون المتوسطة أو من غير المنتمين بالنسب أو القربي لجهاز الشرطة. إن تحديد شروط الالتحاق بالحصول على ليسانس الحقوق وأداء الخدمة العسكرية كضابط احتياط تبعث رسالة أمل للمجتمع عنوانها أن قيم المساواة والعدالة الاجتماعية عادت لتسود، وأن نظام مبارك القائم على توريث المهن والوظائف انتهي إلى غير رجعة. أعتقد جازماً أن الشباب الذين أدوا الخدمة العسكرية كضباط احتياط في القوات المسلحة يمثلون أكثر الشرائح الاجتماعية المهمشة في دولة مبارك الساقط وبالتالي فالاعتماد عليهم يعيد لهذه الفئات شعورها بالانتماء وأن مصر تغيرت وأصبحت لكل المصريين بعد أن كانت حكراً على طبقة المنتفعين والانتهازيين. لن يحتاج هؤلاء الضباط إلى وقت طويل لأداء المهمة، إذا تمكنا من إقناعهم بأن أخلاقيات وواجبات المهنة التي يتقاضون أجراً عنها تستلزم تحمل المسئولية في حفظ الأمن والتصدي للمجرمين دون الخوف من هيبة مفقودة أو إدعاءات كاذبة تريد أن تقنعنا بأن علينا أن نختار بين إهانة البلطجية وإهانة الشرطة. أخيراً: أقول لرجال الشرطة، لن تعود هيبتكم قبل أن يرى الناس مواطنون مثلهم يمارسون عملهم بإخلاص وتضحية،لا طبقة أعلى تتعالي عليهم وتنظر إليهم جميعاً باعتبارهم مجرمين محتملين. ولن يسترد رجل الشرطة مكانته قبل يثبت أنه قادر على التصدي للإجرام والدفاع عن أمن الناس، أما أن يقف حائراً في مشاجرة بين بلطجية أو يخشى التدخل لوقف اعتداء على منشأة عامة لتفادي الاحتكاك بالناس فهذا هو العبث بعينه . انتهى كلام الأخ رضا حماد . وتساءلت كيف لضابط الشرطة الذي اعتاد على التعالي والتكبر على الناس إلى حد المرض النفسي أن يتخلص من هذا الران الجاثم على صدره , لقد اعتاد أن ينزل الشارع لا ليعمل على ضبط المجرمين وإنما ليشعر بنرجسيته وعليائه وكبريائه الموهوم به على مدار عقود من الزمن وهو في حقيقة أمره ما هو إلا مسكين حاله حال البشر , الذي قد تقتله نزلة برد أو تنتهي حياته بسبب جرح أو قبلة بعوضة , الإشكالية في عمل الشرطة الآن أن الكل لا يريد أن ينزل ليواجه عمل شاق بعد أن تعود على الراحة والركود مرتديا تاج العظمة الزائفة ليقول الناس له في كل وقت يا بيه يا باشا وأمر سيادتك ورأي سعادتك , لا شك أن الأمر صعب ولكن لابد أن تنتهي هذه الخرافات والعفن الفكري والأمراض النفسية إلى غير رجعة , ويظل الكفء الذي يحافظ على أمن الناس هو وحده الجدير بكل احترام وتقدير.